اقتصاديو العرب

هل تساعد الولايات المتحدة الأمريكية اسرائيل على الانتحار

هل تساعد الولايات المتحدة الأمريكية اسرائيل على الانتحار

هل تساعد الولايات المتحدة الأمريكية اسرائيل على الانتحار

إن عملية حماس في 7/ اكتوبر/2023م على الفضاء الجغرافي والسياسي لغزة له أبعاد حيرت المراقبين السياسيين في نتائجها، فهناك من قال أنه يوجد اليوم التالي الذي على أثره ستكون هدنة مؤقتة تؤدي إلى حل الدولتين “فلسطين واسرائيل” والخلافات حول مراحل تجسيد هذه الدولة، هل تكون منزوعة السلاح تحت المراقبة الدولية أو الإقليمية أم دولة مستقلة ذات سيادة؟

ومنهم من قال أنه لا يوجد يوم تالي، بل هناك “اليوم الأخير” الذي سينتج عنه تفكيك دولة اسرائيل كمرحلة أولى لزوالها وانتهائها ككيان يهودي مستقل بموجب المسببات والظواهر التالية:

• تغير لهجة الأمريكان والأوربيين والعالم من لهجة المؤيدين لإسرائيل في رد فعلها الجنوني الدموي اللاإنساني، إلى لهجة موضوعية قامت على أثرها مظاهرات في كل بلاد العالم الغربي تشجب مبالغة اليهود في رد فعلهم الذي تجاوز حد الانسانية، في قتل وتدمير كل مظاهر الحياة في غزة “الحيوان والبشر والحجر”.

هذه هي المرة الأولى منذ تأسيس ما يسمى بإسرائيل يقف العالم جماهيرياً صفاً واحداً ليس يشجب بل يحتقر هذا العنف الحيواني ويطلب من اسرائيل وقف اطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات السلمية لحل مشكلة الرهائن.

• هناك أصوات أمريكية وأوربية واسرائيلية شعبية وشبه رسمية ومن يهود العالم تطالب ليس بنظام الدولتين “اسرائيل-فلسطين” كما هي السياسية الأمريكية الآن بل تعتقد أنه آن الأوان لإنهاء دور دولة اسرائيل وتفكيكها بالطريق السياسي، وذلك لانتفاء حاجة النظام العالمي إلى وجودها، حيث أصبحت عبئاً على يهود العالم وعلى النظام العالمي المتوقع ولادته قريباً، وحتى لا ينتهي استمرار الوضع الحالي إلى تدميرها وتدمير الشرق الأوسط، هذا ما صرحت به كثير من الصحف الأمريكية والاسرائيلية بأن الحل الطبيعي هو اختفاء دولة اسرائيل.

إن المتابع لمراحل تأسيس دولة اسرائيل لا يستغرب هذا المطلب لما يلي:

1) قامت دولة اسرائيل بموجب قرار سياسي من الأمم المتحدة، ويمكن أن تنتهي بموجب قرار دولي كما هو في كتاب “بنيامين نتنياهو” “مقعد تحت الشمس” حيث ذكر أن إقامة اسرائيل كانت بموجب قرار دولي، والخطر إذا تغيرت الظروف وآن الأوان لقرار دولي يقتضي زوالها، هذا ما فهمه من مسؤول كبيرة بوزارة الخارجية الأمريكية بعد تناول الكأس العاشر.

2) اسرائيل جزء من منظومة شرق أوسط “سايكس بيكو” الذي كان نتيجة لمؤتمر وزراء خارجية عدة دول أوربية المنعقد عام 1905 برئاسة رئيس الوزراء البريطاني “كامبل بانرمان” وهو أخطر مؤتمر حصل لتدمير العرب والمسلمين، وكان هدفه “تجزئة الأمة ومنعها من النهوض وإبقائها رهينة لمصالح الدول الكبرى” وانعقد بين عامي “1905-1907” في لندن تمهيداً لسقوط الدولة العثمانية والتي أطلقوا عليها لقب “الرجل المريض” ولتقطيع أوصالها والسيطرة الفكرية والسياسية والعسكرية على مخلفاتها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فكان لا بد من زرع عنصر غريب في هذه المنطقة المتجانسة لمنع توحيدها في المستقبل وعودتها إلى وضعها الطبيعي، كونها بقيت دولة واحدة وكيان واحد لأكثر من اثني عشر قرناً.

3) كانت بريطانيا رأس الخبث والخبائث قد جندت رجلها اليهودي بتنسيق مع الكنيسة الانجيلية “السيد روتشليد” ليقترح على اليهود قبولهم بكيان لهم يمارسون شعائرهم الدينية في فلسطين، باعتبارها أرض الميعاد بالنسبة للعهد القديم.

وصرف النظر عن كيان لليهود في أوغندا أو كينيا أو كندا، يتخلص اليهود بموجبه من الظلم الذي وقع عليهم من جراء سحق الكنيسة المسيحية لهم في كل دول أوربا لقرون عديدة، وزاد على ذلك المذابح الألمانية المبالغ بها التي وقعت عليهم على أثر الحرب العالمية الثانية وخلالها، رداً على تآمرهم على الرايخ الثاني الألماني الامبراطوري في الحرب العالمية الأولى.

4) نتج عن وقوع اليهود ضحية تآمر الكنيسة “الانجليكانية” أن قبلوا بدولة لهم على جزء من أرض فلسطين التاريخية بغرض أن تكون حجر عثرة أمام نهوض العرب والمسلمين إلى الأبد، علماً أن غاية الكنيسة الانجليكانية “البروتستانتية” هي حشرهم جميعاً في أرض الميعاد كما يعتقدون لتكون هناك نهايتهم الأبدية كما هو في كتاب “يد الله” للكاتبة الأمريكية “غريس هالسلي”، حيث شرحت بشكل مسهب أن مساعدة اليهود في دولتهم من أجل تسريع قيامة المسيح عليه السلام الذي سيقضي عليهم جميعاً في معركة “هرمجديون” باستثناء مائة وأربعون ألف نسمة فقط، وإن الكنيسة البروتستانتية التي يتزعمها ملك بريطانيا تهدف من وراء ذلك إلى التعجيل في قيامة المسيح الثانية حيث يقوم ويقضي على الأشرار “اليهود” بعد أن يتم إعادة بناء هيكل سليمان عليه السلام.

بذلك تجتمع مصلحة الكنيسة مع أحلام وأوهام اليهود، فيعود بناء الهيكل بالنسبة لليهود، ويقوم المسيح عليه السلام، ولكن النتيجة تكون والانتقام منهم عقوبة دنيوية لزعمهم أنهم قتلوا المسيح عليه السلام، هذا ما جاء في كتاب “التوق إلى هرمجديون” للقس واجنر حيث يقول: “هذه الأهداف السياسية توافقت مع أهداف وزارة الخارجية البريطانية واستنتج “واجنر” أن اللورد البريطاني شافت سيري (1801 – 1885) الذي يدعو إلى هجرة اليهود إلى فلسطين ليصنعوا دولة اسرائيل ويعيدوا بناء هيكل سليمان، كان يكره اليهود ويصفهم بأنهم ذو قلوب سوداء، وأنهم غارقون في الأثم والانحلال الخلقي وفي جهل بالمسيح ومملكة الرب، وهذا يؤيد بأن السياسة البريطانية كانت اللاعب الأساسي في قيام دولة اسرائيل.

5) أكمل الأمريكيون المخطط البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية عندما استغلوا التيار البروتستاني الأمريكي بواسطة مفكرين وقسس ودعاة أمثال: فولويل – ليندسي – بات روبرتسون – جون هانجي – كين بوغ لتزعم تيار ديني بلغ متابعيه حوالي /60/ مليون، جيشوهم جميعاً بواسطة مئات الإذاعات والمعاهد والندوات ليقبلوا فكرة أنه لا بد من دعم اليهود في فلسطين حتى يعيدوا بناء هيكل سليمان الذي يسبق قيامة المسيح الثانية عليه السلام، حتى يقوم ويقتل الأشرار و ينهيهم من الوجود كما يقول القسيس “براد وسكوفيلد” اقتباس “إن عودة المسيح ضرورية جداً.

ولذلك لا بد من المساعدة لإعادة اسرائيل إلى الوجود ولا بد من معركة “هرمجديون” في فلسطين الذي يغلب فيها المسيح والمسيحيون على الأشرار ويجلس المسيح على عرش الملك داوود مما تقدم يفهم أن الدعوة المسماة الإنجيلية الأصولية البروتستانتية هي دعوة سياسية وليست دينية كما هو ظاهر الحال، ووراء هذه الدعوة سياسيون ورجال أعمال استطاعوا تسخير رجال دين مسيحين ويهود من أجل استغلال اليهود والسذج والبسطاء من البروتستانت لخدمة المصالح الرأسمالية الكبرى في العالم، والغاية خدمة المصالح الأمريكية والبريطانية ومصالح الكنيسة، لإنهاء اسرائيل كدولة واليهود كشعب، ومن ثم إنهائهم ليس بقيامة المسيح الثانية كما يزعمون، وهم بالأساس علمانيون لا يؤمنون، بهذه القيامة بل المقصود إنهاء اليهود كشعب واسرائيل كدولة نظراً لعدم الحاجة إليهم أكثر من ذلك، ولانتهاء الغاية من تأسيس دولتهم، حيث كما يقولون لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة بل مصالح متغيرة.

6) عبر عن هذا الواقع المذكور تصريحات كبار السياسيين والصحافيين في العالم بدءاً من الرئيس الأمريكي بايدن الذي زعم بأن كل حاملات الطائرات والبارجات التي استقدمها للمنطقة هي من أجل منع انتشار ظاهرة غزة في الشرق الأوسط وكذلك سياسيون يهود وعلى رأسهم نتنياهو ووزير خارجيته وكل الأساسيون في حكومته وجنرالات زعموا جميعهم أنهم يحاربون نيابة عن العالم المتحضر لأن انتشار أحداث غزة تجعلهم جميعاً في خطر وإزالة حضارتهم من الوجود.

السؤال هل معارضة الولايات المتحدة لأي وقف دائم لإطلاق النار يدخل تحت سياستها لإنهاء دولة اسرائيل وسوقها إلى جهنم الشرق الأوسط الواسع والفوضى الخلاقة، حيث تكون نهاية أي تجمع سياسي لليهود إلى الأبد، في هذه الظروف الدولية المعقدة التي يعانيها العالم من جراء إرهاصات النظام العالمي الجديد والمتوقع وأثره على الشرق الأوسط، حيث قررت أمريكا إنهاء شرق أوسط سايكس بيكو والعبور إلى الشرق الأوسط الواسع “الكبير” كما هي تصريحات وزيرة خارجية أمريكا عام 2004 السيدة “كوندليزارايس” متجاوزة بذلك الشرق أوسط الجديد الذي دعى إليه اسحاق رابين وأدى إلى تغييبه عن الساحة أمام الشرق الأوسط الواسع الأمريكي وانسحاب الدعوة الأوربية من دعوة الاتحاد من أجل المتوسط.

إنها الفوضى الخلاقة التي تفرض ولادة شرق أوسط واسع يساعد على تحجيم دور الصين القادم، مهما بلغت الخسائر، ولو أدى ذلك إلى إنهاء مرحلة الحاجة لدولة اسرائيل، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود توافق أمريكي صيني وعدم ممانعة روسية وقبول أوروبي بالإكراه، وهذه معالم النظام العالمي الجديد.

بقلم: د. منير الشواف