اقتصاديو العرب

اليوم الأخير وليس اليوم التالي

اليوم الأخير وليس اليوم التالي

اليوم الأخير وليس اليوم التالي

دأبت الصحافة المحلية والإقليمية والدولية منذ بدأ القتال في غزة وازداد وحشية على استعمال مصطلح “اليوم التالي”  THE NEXT DAY وهو بالأساس مصطلح أمريكي، أو ان شئت غربي، تستعمله الدوائر السياسية العليا عندهم والتي تدرس واقع حدثاً كبيراً أومتوقعاً، وكيفيات ادارته على سبيل الاحتمالات للتعامل مع نتائج هذا الحدث، وربما أو غالباً تحاول هذه الدوائر التدخل في معطيات هذا الحدث من أجل تجييره باتجاه مصالحها، وأن تنهيه عندما تريد على شكل يندرج تحت مخططاتها وهذا مايعرف عندهم “باليوم التالي”.

– أنا أرى أن حدث غزة الحالي لا ينطبق عليه هذا المصطلح للأسباب التالية:

1- عادة الاحداث الكبرى التي نحن بصدد دراستها تاريخياً وواقعياً تبدأ من طرف يباشرها للوصول إلى غاية معينة، وللوصول إلى النتيجة المرجوة تضع هذه الدوائر رؤى خطة “اليوم التالي” وهذا أبسط أنواع النزاعات الدولية لأن جهة واحدة بدأتها، وهي قادرة على أن تنهيها بالسيناريو الذي تريد، كما هو في أحداث حرب السويس وحرب فيتنام وغرينادا، ومثلها كثير، كلها بدأتها وأنهتها أمريكا بالطريقة التي تريد، ولم تستطع لا اسرائيل ولا بريطانيا ولا فرنسا أن تقدم أو تؤخر، لأن غاية حرب السويس ١٩٥٦ لم تكن  تأميم قناة السويس الذي كان نتيجة للحرب، إنما كنس النفوذ البريطاني والفرنسي من الشرق الأوسط وبالتقسيط هو غاية “اليوم التالي”.

كما أن حرب فيتنام كان غايتها طرد النفوذ الفرنسي من جنوب شرق آسيا باتفاق أمريكي سوفياتي وجر الصين إلى عقلية التعايش السلمي بعد نبذها للعقلية “الستالينية” التوسعية ونجحت أمريكا في ذلك بعد أن روضتها وادخلتها الأمم المتحدة وعضوية دائمة في مجلس الأمن، وقدمت تايوان على مذبحة ومقصلة الوفاقات الدولية كما اختبرت الأسلحة الأمريكية الفتاكة الجديدة وطورتها بحجة حرب شرعية دولية.

والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن هذا مقال وليس بحث ولا بد من الاختصار في ضرب الأمثال إيضاً، وتمثيله الحرب الكوبية الأمريكية “خليج الخنازير” ليست ببعيدة حيث حقق الاتفاق الامريكي السوفياتي غاية الحرب، كما تريدها أمريكا وهي جر العالم إلى “حافة الهاوية النووية” عندما تم الاتفاق بين الدولتين على اقتسام النفوذ في العالم وكما هو في اتفاقية “خروتشوف كندي” في فيينا عام ١٩٦١.

2- هناك حروب تتضارب وتتناقض فيها المصالح، كما هي في الحرب اليوغسلافية، التي أدت إلى تقسيم يوغسلافيا بين الصرب والكروات والمسلمين، وهذا نتيجة للنزاع الأوربي الأمريكي في اوربا، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والماركسية، وخلاص أوربا الغربية من الكابوس السوفياتي فمرمغت الولايات المتحدة أنوف كبار حكام أوربا ليس في التراب فقط بل في المستنقعات، والتي كان من جرائها فشل العصيان الاوروبي وعودة أوربا تحت الجناح الأمريكي.

3- القتال في غزة لا ينطبق عليه أية حالة من الحالات المذكورة، فهو وضع خطير جداً نشأ عن عملية مباغتة وغير محسوبة – متى تبدأ ومتى تنتهي -، لم تبدأ بعلم جهة عالمية أو إقليمية من حيث التوقيت والغاية ولهذا يوجد احتمال أن تصل حروب غزة إلى نتيجة ليست محسوبة مسبقاً من أحد أو بعض أو كل الدول صاحبة القرار المؤثرة في العالم .

ويجيب على ذلك الرئيس الأمريكي “بايدن” رداً على تساؤل صحفي “لماذا كل هذا الاهتمام في حرب غزة حتى تستنفروا كل أساطيلكم مسرعة إلى مركز الشرق الأوسط في البحر الأبيض المتوسط وغواصات وبوارج وفرقاطات من الاسطول السادس والخامس “ومارينز”بما في ذلك حاملتي الطائرتين النوويتين “ايزنهاور وجيرالد فورد ” زلت لسان “الختيار” الرئيس بايدن وقال: تحسباً لحدوث أي أمر ليس بالحسبان يؤدي إلى توسيع الحرب وانتشارها.

والسؤال ماهو الأمر الذي ليس بالحسبان، ويؤدي إلى توسيع القتال وانتشاره في المنطقة أو العالم، كما كرر ذلك الكثير من قيادات الغرب وروسيا والصين وخاصة الأوربيين الخائفين وكأن على رأسهم الطير الأسود، ماذا يخيف الجميع طالما أن كل حكام المنطقة بما فيها إيران ومليشياتها “الفولكلورية” المنتشرة في المنطقة، كلهم عبروا مباشرة وعلى الحقيقة بأنهم ضد توسع الحرب وانتشارها، وحذروا من هذا الخطر الماحق للتاريخ والجغرافيا، وكذلك كيان يهود لا يريد انتشارها فيكيفيهم مشاكل الفلسطينيين في “غزة والضفة” وعدم قدرتهم على السيطرة عليها مع حواجز اسمنتية ارتفاعها ثمانية أمتار أحياناً

– إني ساختصر جداً وأقول: عادت الفوضى الخلاقة تطل برأسها على المنطقة وعلى العالم، وعاد _مخطط الشرق الأوسط الواسع _الأمريكي يتسلل بإصرار وقوة.

– إن الدول العظمى والمؤثرة في كل وقت عندما يجري حدث ما خطير ومفاجئ رغبتها خلاف كما هي أحداث غزة، فإن كل دولة صاحبة مصلحة تحاول أن تدير الأزمة لمصلحتها واستثمارها بموجب مخططاتها، وهذا النوع من الصراع الدولي التحتي الحميد بالنسبة إلى مستقبل المنطقة، هو الوحيدة القادرة على إعطاء نكهة خاصة للنظام العالمي الجديد، حيث العالم في مرحلة إرهاصات الولادة بعد أن مرت آلام الحمل والمخاض بكل أنواعها البائسة والظالمة، فربما يلمح الرئيس “بايدن” في تصريحاته الأخيرة إلى دور مطلوب عالمياً للمنطقة، في النظام العالمي المرتقب، وهذا ليس في صالح لا مستقبل إيران ولا الكيان الصهيوني، والله يستر ويجيب العواقب سليمة للمنطقة والعالم، ولهذا ليس على العالم أن يبحث في مالعمل بعد “اليوم التالي” غير المعروف له، بل عليه أن يدرس بعناية وعقلانية وبدون حقد، وماذا بعد “اليوم الأخير” لأن بداية الحدث معروفة وهي السابع من اكتوبر ٢٠٢٣، وستمتد أحداثه لليوم الأخير وليس لليوم التالي.

 9/11/2023                                                                                                                بقلم: المحامي  د.منير طاهر الشواف