اقتصاديو العرب

الخلاف

المسلمون بين الاعتصام والافتراق

المسلمون بين الاعتصام والافتراق

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالاعتصام، ووحدة الأمة الإسلامية واجتماعها، وحذرهم بل نهاهم عن الافتراق والخلاف المؤدى إلى التشرذم والتنازع والفرقة، فى قوله تعالى:

” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ”

( ال عمران 103)

كما حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الخلاف والاختلاف، المؤدى إلى التفرق والانقسام، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدرك، بالطبع، أن قوة الأمة الإسلامية وعزتها فى وحدتها وائتلافها ومحبة أفرادها، وأن ضعفها وتناحرها وانكسارها وحتفها فى تناحر قلوب وأفعال أبنائها، وأن الاختلاف والخلاف والشقاق من أهم أسباب التشرذم، والمذهبية وانقسام الأمة إلى فرق وجماعات، قد تكون متعادية متناحرة، رغم أن دينهم وربهم و كتابهم و نبيهم وقبلتهم واحدة. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

” لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ”

( أخرجه البخاري على ما فى الجامع الصغير  ٢-٢٩٤)

وقال عليه الصلاة والسلام:

” لا تختلفوا فان من قبلكم اختلفوا فهلكوا ”

( صحيح البخاري، باب كراهية الاختلاف ١٣- ٢٨٩)

كما قال صلى الله عليه وسلم:

” انما هلك من كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب ”

( انظر الإحكام فى أصول  الأحكام لابن حزم  ٥ -٦٦)

معنى الافتراق

والإفتراق لغويا هو خلاف الإجتماع، والتفرق والإفتراق سواء فى المعنى، يقال؛ فرقت بين الكلامين، فافترقا، و فرقت بين الرجلين فتفرقا. ( لسان العرب، مادة فرق ١٠-٣٠١).

والافتراق والتفرق مذموم منهى عنه، لأنه يؤدى إلى ضعف الأمة وتشتتها إلى فرق جماعات.

الاختلاف والخلاف

أما الإختلاف والخلاف: فالإختلاف هو نهج الشخص لطريق مغاير للآخر فى القول أو الفعل، والخلاف أعم من الاختلاف، لأن كل مخالفين مختلفين، وليس كل مختلفين مخالفين. 

فالناس مختلفون فى أشكالهم وأفكارهم وذوقهم وألوانهم، وكذلك الإختلاف فى الألسنة والعرق وغيرها من سيرورة وطبيعة الكون، وهذا الاختلاف من حكمة الله تعالى، فلو أن البشر جميعا سواسية فى كل شىء لاستحالت الحياة، واستحال عمران الكون وازدهار الحياة، مصداقاً لقوله تعالى:

” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ،ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم “فون فى أشكالهم وأفكارهم وذوقهم وألوانهم، وكذلك الإختلاف فى الألسنة والعرق وغيرها من سيرورة وطبيعة الكون، وهذا الاختلاف من حكمة الله تعالى

هود ١١٨-١١٩

فالاختلاف من طبيعة الكون وسيرورة الحياة،وهذا اختلاف محمود لتنوع الأفكار والأراء، طالما التزم الضوابط الشرعية وأساسيات العقيدة والدين، وطالما التزم بأداب الحوار والاختلاف وتقبل حجية الرأى الآخر او رفضها بإقامة حجيته، وفى هذا مجال متسع للاجتهاد وهو باب رحمة يكفله الدين لابنائه من مقاصد الشريعة الحكيمة. 

وبذلك يمكن تقسيم الاختلاف من الوجهة الشرعية إلى ثلاثة أقسام: 

الأول…فى الأصول والعقائد وهو الذى نص عليه القرآن الكريم وصحيح السنة الفعلية والقولية، وهو بلا شك محرم، منهى عنه، وبدعة وضلال، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر، وهذا القسم هو المؤدى إلى افتراق و تشرذم و تناحر الأمة الإسلامية الواحدة. 

الثانى …فى الحروب والأراء او القضايا الجوهرية التى تمس صيانة وسلامة الدين والأمة، وهو أيضا حرام منهى عنه، لأن فيه تضييع لوحدة ومصالح الأمة. 

والثالث… فى الفروع، وهو المحمود الذى لا يمس ثوابت العقيدة، بل يمكن اعتباره باب رحمة وتسهيل على الناس فى الفتاوى الفقهية فى مسائل الحلال والحرام، واختلاف الفقهاء، والذى يراعى الضوابط الآتية: 

  • الالتزام بما جاء بكتاب الله و سنة الرسول الصحيحة. 
  • الاجماع، ويقصد به إجماع الصحابة والتابعين وفقهاء الأمة. 
  • القياس.       
  • الاستحسان. 
  • الحكم بسد الذرائع و درء المفاسد. 
  • النظر فى جلب المصالح 
  • ضوابط فقه الواقع التى يعرفها علماء الفقه.

نظرة سريعة على تاريخ الخلاف بين المسلمين

يمكن القول بأنه من الثابت تاريخيا، ومن تتبع تاريخ نشأة الفرق والجماعات الاسلامية، أن الخلاف على الإمامة او الخلافة او الحكم هو أعظم وأهم سبب لافتراق وخلاف الأمة الإسلامية، فما سل سيف فى الاسلام بين المسلمين، مثل ما سل بسبب الصراع والخلاف على الحكم، وهذا يؤكد أن تشرذم الأمة الإسلامية إلى جماعات وفرق مختلفة، بل أحيانا متعادية، هو السبب السياسى، وليس اختلافا دينيا او عقائديا، الا أن كل فرقة أو جماعة كانت تحاول أن يجد لحجته ومطالبته بالحكم، سندا أو حجة دينية أو عقائدية، ومن هنا حادت بعض هذه الفرق والجماعات فى أفكارها وعقائدها عن أصول أهل السنة والجماعة.

وتحول الخلاف من صراع سياسى، إلى خلاف مذهبى، وتعددت الفرق والجماعات والمذاهب التى حادت فى كثير من الأحيان عن أصول الجماعة الاسلامية، و الثابتة بالكتاب والسنة، وتحقق قوله صلى الله عليه وسلم:

” افترقت اليهود على احدى أو اثنتين وسبعين فرقة ،وافترقت النصارى على احدى أو اثنتين وسبعين فرقة ،وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة “.

رواه أبو داود من حديث أبى هريرة ،و صححه الألباني فى السلسلة الصحيحة ص٢٠٣،و قال عنه : أخرجه أبو داود و الترمذي، وابن ماجة وابن حبان ،و الأجرى والحاكم وأحمد و أبو يعلى .

الخوارج

فالخوارج، هى أول فرقة تخرج عن الجماعة، وسموا بذلك للخروج عن طاعة الأمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، كما سموا ” الشراة” أى الذين شروا أنفسهم لله بزعمهم، و كانوا يعرفون قبل ذلك بالقراء، لكثرة تلاوتهم وعبادتهم، ورغم تميزهم بالصدق والتدين و التعبد، الا انهم كفروا المسلمين، واستحلوا دماءهم بمجرد المعاصى أو مخالفتهم، وقسموا دار الاسلام إلى دار اسلام تخصهم، و دار حرب تخص مخالفيهم .

الشيعة

ثم ظهرت الشيعة، الذين اتخذوا من مناصرة الامام على وآل البيت سندا لمذهبهم، رغم أن مؤسس فكرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودى، وهو رأس الفتنة الذى زرع فكرة التشيع وعودة الامام على، مثلما يعود السيد المسيح. 

والشيعة فرق كثيرة منها الغالى فى الاعتقاد، ومنها المعتدل، وقد حكم عليهم الصحابة منذ ظهورهم، حسب درجاتهم فى الغلو، أو أصولهم المعارضة للكتاب والسنة .

المعتزلة

ثم ظهرت ” المعتزلة ” و مؤسسها واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وغلب على عقيدتهم الفكر والكلام، الا انهم حادوا كثيرا عن الأصول الاسلامية، فى نفى الصفات عن الله، وحكم مرتكب الكبيرة، والمنزلة بين المنزلتين، وفتنتهم الشهيرة “خلق القرآن” التى أدت الى منازعات وخلافات كثيرة، طالت الفقهاء وأئمة الاسلام، مثل الامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. 

وتفرقت عن الفرق الأساسية الكثير من الفرق والجماعات، منها ما استقل بفرقة، ومنها من انضوى تحت الفرقة الأساسية وان غير فى قواعد فرقته، وبعض الفرق غلب عليها الاعتدال، وكثير منها غلب عليها الغلو والبعد عن أصول العقيدة، مما سبب الكثير من الصراعات والخلافات والتشرذم والوهن فى جسد الأمة الإسلامية. 

ولا يتسع المجال لذكر جميع الفرق والجماعات الاسلامية، التى حادت عن منهج اهل السنة والجماعة، الا انه يمكن التأكيد على ان الافتراق، وكما حذر القرآن الكريم، وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم، وللأسف الشديد، دب فى جسد الأمة الإسلامية، والى إلى افتراقها إلى الكثيرمن الفرق والجماعات، مما أفقد جماعة المسلمين، اهم مقوماتها، وهو الاعتصام والتوحد والتآلف، ذلك الاعتصام الذى سطع جليا فى عهد النبوة والخلافة الراشدة، و أيام عزة المسلمين، وكان الإخاء بين مهاجرى مكة وأنصار المدينة مثالا لذلك، حيث كان المسلمون مجتمعا واحدا، وجماعة واحدة، نبيهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، مما مكن المسلمون من فتح البلاد، ونشر الاسلام، وتأسيس أعظم حضارة انسانية عرفتها البشرية. 

فيا مسلمى اليوم : اتحدوا وعودوا أمة واحدة.

بقلم الدكتور مدحت العزب

كاتب وطبيب مصري