اقتصاديو العرب

روسيا والصين

خطة روسيا والصين لهدم الدولار

خطة روسيا والصين لهدم الدولار

تضررت روسيا كثيراً من العقوبات الغربية حين عزمت على اقتحام  منطقة دومباس الأوكرانية وتحريرها من قبضة النازيين الذين استهتروا كثيرا بتحذيرات موسكو المتكررة منذ 2014 على انتهاكاتهم المتكررة على الشعب الروسي وكذلك الصين التي عانت من هيمنة أمريكا و حصارها الاقتصادي المتكرر لمنع الصين من التكنولوجيا المتقدمة  وتدخلها المستمر في تايوان التي تعتبرها الصين أرضاً تاريخية .

فكان لزاما للدولتين النوويتين الطموحتين ومن أجل تعزيز مصالحهما الحيوية ان يتصرفا بما يجب لكسر هيمنة أمريكا وردها عن غيها المتنامي.

ولتحقيق ذألك لابد من تدبير حكيم وخطة شاملة لهدم الدولار وإسقاطه من العلياء وبذلك تنهار أمريكا ويتلاشى سلطانها الغاشم الذي بات يهدد كل دول العالم دون استثناء حتى شركائها المقربين.

تقوم الخطة الشاملة التي اعتمدتها روسيا والصين لكسر هيمنة الدولار، على محاور أساسية تشد بعضها البعض لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في هدم الدولار كآلهة لهذا الكوكب وكرمز للهيمنة والظلم والطغيان الغربي.

بات مؤكداً لدى الجميع أن الدولار رمز الغطرسة الامريكية وأحد اساليبها العدوانية الأشد فتكاً من السلاح والقنابل الحارقة وصار يهدد شعوب العالم بالفقر والجوع والحروب الأهلية والمرض والفناء.

دول كثيرة تشعر بالقلق والخوف على مصالحها من عدوانية الدولار المتنامية، حيث تستعمله الإدارة الامريكية كوسيلة ضغط وقهر وهيمنة وابتزاز ضد الدول المارقة عن سلطانها الفاجر.  

تمارس ذألك من خلال مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه ومن خلال نظام سويفت الرقمي المعتمد في التعاملات بين البنوك الغربية ومن خلال سياسة (البترودولار) التي فرضتها أمريكا على الدول المنتجة للبترول ومن خلال هيمنة الدولار على احتياط النقد في البنوك المركزية للدول.

وتنبني هذه الخطة في عدة محاور

1. استبدال الدولار بالعملة المحلية:

هذا الإجراء الاحترازي الاولي يضمن السلامة والحماية والاستقرار للمعاملة بين البلدين حيث تنشط كل دولة عملتها الوطنية الخاصة بها ولا تحتاج إلى شراء الدولار ولا إلى وجوده كعملة احتياط في البنك المركزي.

تنتشر هذه الاتفاقيات الثنائية بسرعة فائقة على غرار الاتفاق الروسي الصيني الذي يقضي باستعمال الين والروبل في المبادلات التجارية بينهما من خلال نظام مصرفي بين البنوك الدولتين.

وفي هذا الصدد سارت دول كثيرة كالبرازيل مع الصين والهند مع الإمارات وإيران مع الصين والبرازيل مع الارجنتين ودول منظمة شنغهاي فيما بينهم ودول آسيان ودول منظمة بريكس ومشاورات حثيثة مع دول أخرى في طريق اعتماد هذا النموذج الآمن والبعيد عن مراقبة أمريكا.

2. استبدال الدولار بعملة دولية موحدة :

فكرة العملة الموحدة المقرونة بالذهب هي فكرة  تحدث عنها مرارا الزعيم الليبي معمر القذافي آن ذاك  ونادى بها في المحافل الدولية محذرا من هيمنة الدولار الامريكي  ودفع حياته ثمناً لذاك التحدي و في سبيل تحرير العالم من شر امريكا و تعرضت بلاده للنهب والخراب والتدمير عقاباً له من طرف الناتو الراعي العسكري لهيمنة امريكا على العالم. يُذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال  لمنتدى أعمال بريكس، إن روسيا والصين تعملان على تطوير عملة احتياطية جديدة مع دول البريكس الأخرى (هذا التجمع يضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم وأغلبها من الاقتصادات غير الغربية الكبيرة) .

وفي السنوات القليلة الماضية، اتجهت مجموعة بريكس التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ومعهم دول أخرى مثل إيران والأرجنتين، إلى تسوية المزيد من معاملاتها التجارية بالعملة الاحتياطية الجديدة التي تناقشها مجموعة بريكس، وفقاً لما أوردة موقع بزنس إنسايدر الأمريكي.

 وهي مرحلة ثانية من التصعيد لأن المبادلات بالعملة المحلية ليس حلاً شاملاً لأن التجارة الدولية بحاجة إلى عملة أساسية رئيسية   ومن ثم فالانتقال من العملات المحلية إلى العملة المدعومة بالذهب التي تنوي روسيا وإيران استخدامها في معاملاتهم التجارية البينية، ومن العملة المشتركة التي ستسير المعاملات بين البرازيل والأرجنتين إلى عملة بريكس الاحتياطية، سندخل رسمياً في عالم متعدد الأقطاب اقتصاديا وسياسيا وسيتلاشى الدولار ولن تكون له أي سطوة على شعوب العالم التي اختارت طريقها نحو الحرية والبدائل الآمنة.

وتجلت فكرة العملة الموحدة المدعومة بالذهب في مشاريع وافكار إقليمية وهي قابلة للتطوير والتوسع والعمل على تجسيدها جاري بسرعة وحذر وهذا يكون في: 

أ- عملة البرازيل والأرجنتين الموحدة: أعلنت البرازيل والأرجنتين أنهما تستعدان لإطلاق عملة مشتركة، تسمى “SUR” (جنوب)، القابلة للتطور والتوسع لكل دول أمريكا الجنوبية الطامحة في الانعتاق من الدولار وإيجاد بدائل آمنة لاقتصادها المتهاوي، وفقاً لبزنس إنسايدر.

تساعد هذه العملة في تعزيز التجارة في أمريكا الجنوبية، لأنها تتجنب تكاليف التحويل وعدم اليقين بشأن سعر الصرف. وتحمي البلدان من هيمنة الدولار في المنطقة، بالنظر إلى أن الدولار يمثل ما يصل إلى 96% من التجارة بين أمريكا الشمالية والجنوبية من عام 1999 إلى عام 2019، وفقاً لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

ب- عملة روسيا وإيران الموحدة المقرونة بالذهب: اتفقت روسيا وإيران على إنشاء عملة مشفرة مدعومة بالذهب – “عملة مستقرة” يمكن أن تحل محل الدولار في المدفوعات في التجارة الدولية. لكن لا يمكن للمشروع المضي قدماً إلا بعد أن يتم تنظيم سوق الأصول الرقمية في روسيا بالكامل، وفقاً لما نقله بزنس إنسايدر عن أحد المشرعين في موسكو.

ويطمح البلدان إلى إصدار “رمز المنطقة الفارسية الرقمي” (token of the Persian region) لاستخدامه في المعاملات عبر الحدود، مع خطة لإطلاقه في منطقة اقتصادية خاصة في أستراخان في جنوب روسيا، وهي المنطقة التي تتعامل فعلياً مع الشحنات الإيرانية.

وخلال الأشهر الأخيرة، صعدت روسيا وإيران من مساعيهم “لإزالة الدولرة” (Dédollarisation)، وفقاً لمركز أبحاث ” مؤسسة جايمس تاون / Jamestown Foundation” .

الذي قال إن البلدان يهدفان إلى زيادة حجم تجارتهم إلى 10 مليارات دولار سنوياً من خلال خطوات مثل تطوير نظام مدفوعات دولي بديل لنظام SWIFT، الذي لا يستطيعون الولوج إليه بفعل الحظر الغربي.

ج- عملة بريكس الاحتياطية : طرحت فكرة  إنشاء عملة احتياطية جديدة موحدة لدول “بريكس” منذ عام 2018. ويعود اختيار العملات الوطنية لهذه الدول إلى كونها من بين العملات الأكثر حضوراً في الأسواق الناشئة. ودام النقاش سنوات حتى الوصول إلى العملة الاحتياطية الجديدة لدول “بريكس”، التي ستحمل اسم “R5” أو “+R5″، وهو اسم يستند إلى الأحرف الأولى من أسماء عملات الدول الأعضاء في المجموعة، وهي: ريال برازيلي، روبل روسي، روبية هندية، رنمينبي صيني، راند جنوب إفريقي.

في العام الماضي، بدأت روسيا والصين محادثات لتطوير العملة الجديدة مع دول البريكس الأخرى في تحد لهيمنة الدولار. وهي الخطوة التي تأتي ضمن جهود روسيا والصين لخلق توازن دولي في النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بسياساتها المالية والنقدية.

ومن المتوقع أن تصدر العملة الجديدة  قريبا بعد اعتمادها من أعضاء المجموعة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. ومن شان هذا الإنجاز أن يكون بديلاً فعالا عن صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

3. استبدال الدولار بالعملة الرقمية:

هذا الأسلوب اعتمدته فنزويلا كطريق آمن للحيلولة من استعمال الدولار والتملص من العقوبات الأمريكية الجائرة المسلطة على البلد حيث قامت فنزويلا بإنشاء عملة رقمية (البترو) وربطتها بالبترول والالماس وثرواتها المنجمية الثابتة كضمان أو مقابل القيمة لتعطي الثقة لمتعالميها بعيدا عن عملتها الوطنية الضعيفة بسبب التضخم والديون الخارجية التي فاقت 150 مليار دولار.

three round silver and gold colored coins

اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 خلال قمة في بروكسل على إقصاء “سبيربنك”، وهو أكبر بنك في روسيا، من نظام سويفت للتحويلات المالية الدولية. جاء ذلك في إطار حزمة سادسة من العقوبات الأوروبية على موسكو بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

4. استبدال نظام سويفت الرقمي المتطور بأنظمة بديلة:  

اتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 خلال قمة في بروكسل على إقصاء “سبيربنك”، وهو أكبر بنك في روسيا، من نظام سويفت للتحويلات المالية الدولية. جاء ذلك في إطار حزمة سادسة من العقوبات الأوروبية على موسكو بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

ومن خلال هذا السلوك فقد الغرب مصداقيته عندما وظف مؤسساته المالية في الحروب واستعملها كوسيلة للهيمنة.

الأمر الذي دفع بدول كثيرة تبدي قلقها من هذا السلوك وتبين لدول العالم ان نظام سويفت نظام ذو حدين وأن الاعتماد عليه مرهون بالطاعة والولاء للغرب وأن الغرب بدا يوظف التكنولوجيا الرقمية كأداة للهيمنة وبالتالي فلا بد من عالم جديد متعدد الأقطاب ولابد من ملاذات آمنة مستعجلة جدا.

ولهذا السبب سارعت روسيا والصين لإنشاء أنظمة النقل السريع للرسائل المالية بين المصارف والبنوك والعمل على توسيع دائرة الاندماج مع الشركاء لتعزيز الأمان من أي نكسة خارجية في أسواق المال.

أ- نظام “SPFS” الروسي: أنشأت روسيا نظام “SPFS” في عام 2014، لمواجهة التهديد الامريكي بطرد روسيا من نظام “سويفت”، وهذا النظام هو اختصار لنظام نقل الرسائل المالية، ويقوم بصياغة ومعالجة التنسيقات الموحدة للرسائل المصرفية الإلكترونية أو مستندات UFEBS وملفات MT أيضاً.

ويلقى هذا النظام نجاحا متزايد إذ أعلن البنك المركزي الروسي، عن انضمام 70 مصرفاً أجنبياً من 12 دولة إلى نظام التعاملات الروسي البديل لشبكة “سويفت” العالمية. وقالت رئيسة البنك، إلفيرا نابيولينا، إن البنك المركزي الروسي لن يكشف عن قائمة هذه المصارف بسبب تخوف هذه البنوك من أن تطالها العقوبات الغربية.

ب- نظام (مير- شتاب) بين روسيا وإيران: يرى الباحث في الاقتصاد السياسي الإيراني بيمان يزداني، أن امريكا تستعمل نظام سويفت كسلاح للهيمنة ووسيلة لمحاصرة الدول ومعاقبتها وجبرها على الانصياع والرضوخ لأوامرها وبات البحث عن البدائل امراً ضرورياً وهدفاً استراتيجياً لدول كثيرة.

 بعيدا عن نظام “سويفت” (SWIFT) المالي العالمي تعمل إيران وروسيا على إيجاد بديل يسهل تعاملاتهما المالية بربط الانظمة المصرفية للبلدين بتطبيقات إلكترونية متطورة تضاهي نظام سويفت يضمن لهما الحماية والأمن و الاستقلالية التامة عن الدولار والرقابة الغربية على التجارة بين البلدين،  روسيا وإيران “اتفقتا على إنشاء نظير نظام سويفت للتسويات المتبادلة بين عدة دول العالم، هذا ما صرح به مهدي صفري وزير خارجية إيران بعد لقاء قادة البلدين في طهران ومن جانب آخر صرح  وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب استقباله نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في موسكو، أن هناك مفاوضات موضوعية جارية على مستوى البنوك المركزية بين روسيا وإيران لدمج نظامي الدفع المصرفيين “مير” الروسي و”شتاب” الإيراني في المستقبل القريب.

يرى مراقبون إيرانيون وروس على أن ربط المنظومتين المصرفيتين مير الروسية وشتاب الإيرانية، يأتي للتخلص من الدولار في تعاملاتهما ومواجهة العقوبات الغربية المفروضة على كل من طهران وموسكو، مستدركين أن الأخيرة سرّعت من جهودها لترويج منظومتها المصرفية عقب تزايد الضغوط الغربية عليها بسبب حربها المتواصلة على أوكرانيا.

5. إستبدال صندوق النقد الدولي بصندوق نقد آسيوي:

أعلنت الصين عن تأسيس صندوق نقدي دولي مع عدد من الدول الآسيوية، فيما يمكن تسميته بصندوق الصين العظيم أو صندوق النقد الصيني وترمي خطة الصين لتأسيس نظام لتجميع احتياطات باليوان (الرنمينبي)، في البداية، البنك المركزي الصيني الذي يُعرف باسم بنك الشعب الصيني (PBOC)، وبنك إندونيسيا، والبنك المركزي لماليزيا، وهيئة النقد في هونغ كونغ، والسلطة النقدية في سنغافورة، والبنك المركزي التشيلي. 

ويقضي الاتفاق بأن تضخ كل دولة مبلغ 15 مليار يوان، أي حوالي 2.2 مليار دولار، في نظام السيولة بالرنمينبي RMBLA.  

تلجئ البنوك المركزية المشاركة إليه عند الحاجة لتغطية مشاريعها كما تتمكن من سحب مساهماتها والحصول أيضا على تمويل إضافي من خلال نافذة سيولة مضمونة” لمواجهة تقلبات الأسواق، حسبما قال البنك المركزي الصيني.

ستُخزن هذه الأموال في بنك التسويات الدولية، (BIS) هو مؤسسة مالية دولية مملوكة للبنوك المركزية، التي تعزز التعاون النقدي والمالي الدولي، وتعمل كبنك جامع للبنوك المركزية”، خاصة فيما يتعلق بتمرير وتسوية المعاملات المصرفية، ويقع مقره في بازل، سويسرا، وله مكاتب تمثيلية في هونغ كونغ ومكسيكو سيتي.

ويمكن أن يكون صندوق النقد الصيني هذا منافساً أو بديلاً لصندوق النقد الدولي، الذي يهيمن عليه الدولار، حسب موقع Business Insider الأمريكي.

6. خفض الدولار كعملة الاحتياطية في البنوك المركزية :

بحسب صندوق النقد الدولي، بدأ عهد الدولار بصفته المناقصة الرئيسية للاحتياطي يتضاءل بالفعل حيث يقوم محافظو البنوك المركزية بتنويع ممتلكاتهم إلى عملات مثل اليوان الصيني والكرونا السويدية والوون الكوري الجنوبي.

حيث كان الدولار العملة المهيمنة في البنوك المركزية للدول، وهذا الاعتماد الذي حضي به الدولار كان في زمن لم تتجلى فيه انياب أمريكا بمنظومتها المالية والاقتصادية كوحش قاتل لكن الآن تغيرت الأمور كثيراً بسبب احداث كثيرة وتبين للخبراء الاقتصاديين مخاطر كثيرة من الاعتماد الكلي على الدولار.

وأصبح تنويع العملة امراً ضروريا لحماية الاقتصاد من اضطرابات السوق العالمي ولأن الدولار بحد ذاته صار قيمة وهمية.