اقتصاديو العرب

السلاح النووي

الأسلحة الكيماوية تحيل السلاح النووي إلى التقاعد

الأسلحة الكيماوية تحيل السلاح النووي إلى التقاعد

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 بعد أن فجرت الولايات المتحدة تفجيريها النووين على رؤوس أهالي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وأهلكت الحرث والنسل، وانبثق نظام عالمي جديد على أثر مؤتمر “يالطا”، هذا النظام العالمي خسرت فيه الحرب كل من بريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا وإيطاليا، وبدأ نظام عالمي جديد يقوم على تنسيق بين القطبين الأكبر والأصغر الفائزين أعني الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.

سارعت كافة دول مجلس الأمن التي لها حق النقض تأسياً بالولايات المتحدة بتفجيراتها النووية المتتابعة للدخول إلى نادي الكبار، وهي بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، وأصبح السلاح النووي عامل أساسي لكل دولة تريد أن يكون لها نصيب في السياسة الدولية، ثم لحقت بهم الصين الشعبية بتفجيرها النووي في بداية الستينات، وكانت أشد الجميع ذكاء، عندما توقفت عن المنافسة النووية واكتفت بالدخول إلى نادي الكبار، بعد أن أعلن زعيمها “ماوتسي تونغ” مقولته الشهيرة “السلاح النووي غداً نمراً من ورق”، حيث كشفت هذه التصريحات استحالة وقوع حرب نووية، ولذلك وجهت الصين أموالها للاقتصاد والسيطرة على السوق الدولية، وكذلك توقفت بريطانيا وفرنسا عن الاشتراك أيضاً في السباق النووي واكتفتا بتخزين الذهب والفضة بعد أن حازا على هذا “البرستيج” الذي يبقى لهما اسم دولة عظمى، ولو كان من باب المجاملة الدولية.

وتطورت الأمور العالمية للقفز من السلاح النووي إلى الهيدروجيني فالأرتجاجي فالصواريخ حاملة الرؤوس النووية، جراء المنافسة بين الدولتين الأعظم، وبإعتبار حجم قوة النظام الاقتصادي والسياسي والعسكري الأمريكي فازت الولايات المتحدة في المنافسة، وأعلن الاتحاد السوفياتي على لسان رئيسه “جورباتشوف” الانسحاب عام 1979 من هذا السباق، على أثر خسارته لحرب النجوم مع الولايات المتحدة وانسحابه من أفغانستان وسقوط جدار برلين وانهيار المنظومة السوفياتية، واكتفى بما عنده من أسلحة نووية متعددة الأهداف والأغراض وقادرة على تدمير العالم مرات عديدة، واقتنع بسياسة “البروستريكا والجلاسنوست” إعادة البناء ورفاهية المواطن والدولة، حتى أنه وقع اتفاقيات (سالت1- سالت2) التي تحد من انتشار الأسلحة النووية، وتدمير ألاف الصواريخ حاملة الرؤوس النووية من قبل الدولتين، لكن بقيت هذه الاتفاقيات حبراً على ورق، بموجب اتفاقيات تحتية بين الدولتين، وهذا الاتفاق يذكرنا باتفاق الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لجر العالم إلى سياسة الهاوية النووية، عندما نسقت الدولتان مع بعضهما في ما سمي بأزمة كوبا أو “خليج الخنازير” عام 1961م ، ونجم عن هذ تقاسم النفوذ في العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كما هو في اتفاقية ” خروتشوف – كندي” واعتمدا تكتيك الحرب الباردة المتفق عليها سابقاً، والمتابعة من قبل الرئيسين بالخط المباشر الأحمر “الساخن” بينهما.

واقع العالم الأن هو: “إن أي حرب يستخدم فيها السلاح النووي بأشكاله المختلفة مستحيلة”، وكل مايقال خلاف ذلك كما هي الحرب الاوكرانية، هو محاولة ابتزاز للعالم، يدخل تحت الصراع من أجل نظام عالمي جديد، يحل محل نظام “يالطا” البائد ويكون فيه تغيير كلي لمراكز القوى في العالم وإفساح المجال للصين الشعبية العظمية ولليابان المتربصة وتسوية لمظلمة ألمانية عن نتائج الحرب العالمية الثانية، مع الأخذ بعين الاعتبارمصالح بريطانيا الدولية وأمريكا اللاتينية والهند، والأهم مشروع أمريكا المسمى “الشرق الأوسط الواسع أو الكبير”، حيث الجغرافيا والتاريخ بحالة فوضى خلاقة تزلزل شرق أوسط “سايكس بيكو”.

إن الدول الكبرى ذات الشأن، تعلم أن الحروب النووية فزاعة يستخدمونها لإرهاب الصغار، وكل ما يجري إن هو إلا مظاهر تمثيلية، وأن الخطورة الحقيقية تكمن في الأسلحة الكيماوية من “بيولوجية وجرثومية و فيروسية” هذه الأسلحة تقتل البشر وتبقي العمران للأجيال اللاحقة، وتكلفتها بسيطة وأثارها مدمرة للإنسان والبيئة فقط، إن الدول الرأسمالية الساعية إلى تعديل قيادة العالم تخزن هذه الأسلحة وتطورها بدون صياح ولا جلبة، وهذا ما كشفته الحرب الأوكرانية باكتشاف عشرات المختبرات والمصانع الكيماوية بأنواعها والتي تشغلها الولايات المتحدة، وليس بعيداً عنا تجارب فيروسات “كورونا” بأشكالها وأنواعها وأرقامها، وهذا مثال حي على مدى خطورة هذه الأسلحة المتوفرة عند كل العالم المتقدم، فهي تسلط الضوء على السلاح النووي والتعتيم على الأسلحة الكيماوية، ومثال ذلك استيلاء الولايات المتحدة على الأسلحة الكيماوية السورية جبراً و قسراً بإرادة دولية متواطئة بحجة تدميرها، مما أثلج صدر اسرائيل لأنها تعلم مقدرة هذا السلاح العادم للنووي.

كما أن عشرون سنة مضت والولايات المتحدة واسرائيل تثير الفزع والرعب من مشروع تملك السلاح النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ عهد حكومة الرئيس “أحمدي نجاد”، وبإدارة علي أكبر صالحي، رئيس مؤسسة التطوير النووي، عندما صرح للمرة الأولى بتاريخ 21/9/2009م أن إيران تطور أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، عندها قامت قيامة العالم ولم تقعد حتى الأن، خوفاً وهلعاً مكذوباً من السلاح النووي الإيراني المزعوم والذي ما زال في رحم المستقبل، علماً أن الواضح لكل من مندوبي الأمم المتحدة، أن أبحاث إيران هي تطوير نووي للاستعمال السلمي وتحت الرقابة المشددة للأمم المتحدة، وكل ذلك من أجل إخفاء الولايات المتحدة لغايتها الحقيقية، وهي منع حيازة دول أخرى أسلحة دمار شامل والمقصود منها الأسلحة الكيماوية – فيروسية – بيولوجية حيث تكمن فيها الخطورة الحقيقية ولأسباب أخرى لا مكان لبحثها الأن وينطوي في إطار ذلك سماح أمريكا والغرب للهند والباكستان بامتلاك السلاح النووي بدون تخصيب لليورانيوم ولأجهزة طرد مركزية، إنه “بنك القضبان النووي” الجاهز لتزويد أي جهة ترغب إدارة البنك الأمريكية إمتلاكها للسلاح النووي علماً أن أسبوع واحد فقط كان بين التفجيرين.

ويؤكد على ذلك تصريحات محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في المؤتمر السنوي للدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام  2009 أن “دول كثيرة ستملك السلاح النووي”، وأنه حوالي من “10 – 20” دولة في الشرق الأوسط ستكون عندها هذه الامكانية إن رغبت في السنوات القليلة القادمة.

في الخلاصة لقد انطوى عهد السلاح النووي بانعدام قابلية الاستعمال، وأصبح “للبريستيج” وإن الأسلحة الكيماوية، هي المؤثرة الفعالة وكلنا نذكر عندما أعلنت حالة الطوارئ في البنتاغون بسبب تسرب ظرف رسالة عليها آثار مادة “ENTRAX” الجرثومية، فكيف إذا كانت الكميات بالأطنان.

ولهذا أرى بأن على الدول المستضعفة أن لا تخاف من إرهاب الحرب النووية، بل عليها أن تأخذ أشد الحذر من أسلحة الدمار الشامل الحقيقية الكيماوية من (جرثومية فيروسية وبيولوجية) وما إلى ذلك من أصناف هذه المواد القذرة حيث طورها النظام الرأسمالي القذر الذي يحكم العالم، ولا يهمه البشر بقدر ما يهمه المال، وإن خير وسيلة لإحالة الحروب الكيماوية بأنواعها للتقاعد أن يملكها الجميع للاستعمال السلمي مع إمكانية أن تكون للاستعمال الحقيقي فيما إذا استعملها الأخر بالقدر المؤذي والمدمر.

د. منير محمد طاهر الشواف