اقتصاديو العرب

الأزمات المالية

الأزمات المالية: مفهومها، وأنواعها، وأسبابها

شهد الاقتصاد العالمي العديد من الأزمات المالية العالمية، التي كانت لها علامات بارزة في حياة الملايين، أغلبها بصورة سلبية، والتاريخ لا ينسى أزمة الكساد الكبير التي وقعت عام 1929 والتي تعد من أشهر الأزمات وأكبرها، كذلك فإن الأزمة المالية العالمية عام 2008 عاصرها الكثير منا وعانى من آثارها بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا المقال يأتي لتسليط الضوء على مفهوم الأزمات المالية وتوضيح أنواعها وأسبابها.

مفهوم الأزمات المالية

لا يوجد تعريف أو مفهوم محدد للأزمات المالية، غير أن معظمها تُركز على كونها اختلالاً واضطراباً حاداً ومفاجئاً في بعض التوازنات المالية ومؤشرات أدائها، وتُعبر عن انهيار مفاجئ في مجموع المتغيرات المالية، مثل حجم الإصدارات، أسعار الأسهم والسندات، قيمة القروض والودائع المصرفية، وأسعار الصرف، ويمتد آثار ذلك كله إلى القطاعات الاقتصادية وبذلك تؤشر الأزمات المالية على هشاشة وسوء أداء في النظام المالي للبلد.

وعادةً ما يحدث مثل هذا الإنهيار المفاجئ في أسعار الأصول نتيجة انفجار فقاعة سعرية مثلاً، والفقاعة سواء كانت مالية أو سعرية أو فقاعة مضاربة، فهي تُعبر عن بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية(أسهم، عقارات)، بأسعار تفوق أسعارها الحقيقية. وغالباً ما تنشأ الفقاعة عندما تضخ أموال على أصول أكثر مما تبرره عوائدها، وهذا مشابه لما يحدث في عمليات المضاربة، والتي تُعبر عن عملية بيع وشراء أصول بأنواعها لذاتها، للإستفادة من تقلبات سعرها، وليس لإستخدامها في الأغراض التي وجدت من أجلها، أو للاستفادة من عوائدها مثل بيع وشراء عقار دون استخدامه، أو بيع وشراء العملة الأجنبية ليس بغرض التجارة والإستثمار.

أنواع الأزمات المالية

 أزمة العملة

تُعتبر أزمة العملة من أكثر الأزمات المالية حدوثاً، وأنها تحصل نتيجة هجوم المضاربين على قيمة التداول لعملة معينة، والذي ينتج عنه انخفاض حاد في قيمة العملة، مما يجبر السلطات النقدية على صرف مقدار كبير من احتياطاتها من العملات الأجنبية أو رفع معدل الفائدة لحماية سعر صرف عملتها السائد. وتنشأ أزمة العملة نتيجة هجوم مضاربة على العملة المحلية لسوق مالية ما، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة تلك العملة، وتتدخل السلطات النقدية بصرف احتياطاتها من العملات الأجنبية للحفاظ على قيمة عملتها المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة الاحتياطات، وقد لا يتحقق أحياناً المحافظة على مستوى مستقر لسعر صرف العملة  المحلي.

وتعتبر المضاربة أحد أهم الأسباب المؤدية لحدوث أزمات العملة، وتعني المضاربة استغلال حركات غير متوقعة في السوق تجذب المضاربين بمتابعة حركة تقلبات الأسعار في السوق لأنها كلما زادت، زاد حجم هامش ربح المضارب. ويستطيع المضاربون التأثير على حركة الاقتصاد كتخفيض سعر الصرف عند وجود عجز مزمن في ميزان المدفوعات، ويحدث ذلك إذا بلغت حجم استثماراتهم حدوداً كبيرة.

اقرأ أيضاًتداول العملات الأجنبية وأهم الأمور التي يجب معرفتها عن سوق العملات الأجنبية

الأزمة المصرفية

عادةً ما تنشأ هذه الأزمة عندما يكون حجم الأصول غير الكفؤة الموجودة لدى البنك كبيراً، أو عندما تتفق المعلومات الصادرة من مختلف الجهات (إعلام، دراسات)  على أن هناك مؤشرات ذعر مالي (تجميد ودائع، غلق وإفلاس بنوك، ضمان ودائع، وجود مخططات إنقاذ حكومية للبنوك).

ويمكن اعتبار الأزمة المصرفية بأنها فقدان ثقة المودعين بالمصارف، وقيام الشركات والمتعاملين مع المصارف بسحب إيداعاتهم، كما تتلازم أزمة المصارف مع أزمة السيولة بمعنى أن أزمة المصارف هي أزمة سيولة، والتي تنشأ نتيجة اضطرابات في النظام المصرفي.

والبعض يؤكد أن أسباب الأزمة التي تصيب مجمل اقتصاد دولة ما هي في الأصل أزمات مصرفية، حيث أن الانسحاب المفاجئ للأموال أو السيولة من دولة ما سيؤدي بها إلى أزمة مالية شاملة، إذ أن الأزمة المصرفية هي ذاتها أزمة السيولة، ويمكن تعريفها بأنها الأزمة التي تفقد فيها المصارف الاحتياطي من أصولها نتيجة تصفية حساب المصرف بسبب العجز في قيمة أصوله، وتنعكس هذه الخسائر على مجمل الاقتصاد الكلي، ويطلق عليها حينئذ الأزمة المالية المكلفة.

اقرأ أيضاًالتكدس المصرفي في الاقتصاد المصري: الأسباب والحلول

أزمة الأسواق المالية

تنشأ أزمات أسواق المال نتيجة ما يعرف اقتصادياً بظاهرة “الفقاعات”، وتحدث الفقاعة عندما يرتفع سعر الأصول بشكل يتجاوز قيمتها العادلة ارتفاعاً غير مبرراً، وينتج ذلك عادةً عندما يكون الهدف من شراء الأصل هو الربح الناتج من ارتفاع سعره وليس بسبب قدرة هذا الأصل على توليد الدخل. وفي ظل هذا الوضع تتجه أسعار الأصل إلى الانهيار خاصة إذا كان هناك اتجاه قوي لبيعه، فيبدأ سعره في الانخفاض، ويبدأ معها ظهور حالات الذعر، فتنهار الأسعار، وينتقل هذا الأثر نحو أسعار الأصول الأخرى، سواء في القطاع ذاته أو في القطاعات الأخرى. وتحدث أزمة أسواق المال عندما ينخفض مؤشر السوق المالية بأكثر من 20 %، ومثال ذلك أزمتي 1929 و 1921.

اقرأ أيضاً: الثور والدب: وحوش الأسواق المالية

أزمة المديونية

هي الأزمة التي تواجه دولة ما في حالة عدم قدرة تلك الدولة على الوفاء بفوائد ديونها الخارجية، وتحدث هذه الأزمة لأسباب متعلقة بالاقتصاد الكلي كإرتفاع مستوى التضخم وعجز الحساب الجاري والتوسع المفرط في الاقتراض. وعادةً ما يطلق على القرض الخارجي بالقرض السيادي، وهو القرض المقدم للقطاع الرسمي (الحكومي) لدولة ما، أو قرض قطاع خاص مضمون من قبل الدولة المقترضة. وتُعتبر أزمة المكسيك عام 1922 م من أبرز أزمات المديونية الخارجية، حيث أعلنت المكسيك عن عجزها في تسديد ديونها البالغة 20  بليون دولار إلى المصارف الدولية بسبب عدم قدرتها على التسديد، وتعرضت بذلك إلى أزمة مديوينة دولية.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن السندات السيادية

أسباب الأزمات المالية

ترجع أهم الأسباب المحدثة للأزمات المالية في العادة إلى ما يلي:

  • تدفق رؤوس أموال كبيرة إلى داخل البلد، يصاحبه قيام البنوك المحلية بتوسع مفرط وسريع في عمليات الإقراض دون التأكد من الملاءة الائتمانية للمقترضين، مما ينتج عنه زيادة حجم الديون المشكوك في تحصيلها لدى هذه البنوك، وفي هذه الحالة يحدث تراجع اسمي في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الارتكازية. وهذا ما ينجم عنه موجة من التدفقات الرأسمالية نحو الخارج.
  • ضعف الرقابة والإشراف الحكوميتين، وما يترتب عليه من شكوك حول التزامات الحكومة وقدرتها على القيام بالإصلاحات اللازمة لمواجهة الأزمة.
  •  وجود خلل في تطبيق السياسات النقدية والمالية الكلية المناسبة، وترابط ذلك مع غياب الشفافية والإفصاح، وتفاقم الفساد، والتلاعب بالبيانات والقوائم المالية في المؤسسات التي تكون المصدر الأساسي للإضطراب.

اقرأ أيضاً: حوكمة الشركات: التعريف والمبررات والمبادئ والأهداف

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

أهم الأزمات المالية

أزمة الكساد الكبير                               

أزمة الكساد الكبير والتي وقعت عام ١٩٢٩، تعتبر أسوأ أزمة اقتصادية شهدها العالم في القرن العشرين، كانت بداية هذه الأزمة عندما انهارت بورصة “وول ستريت” في الولايات المتحدة الأمريكية، في 29 من تشرين الأول 1929، وهو المعروف بيوم “الثلاثاء الاسود”.

في هذه الأزمة استمر الكساد نحو عشر سنوات وقد امتد الكساد في هذه الأزمة الى بقية دول العالم، وقد عانت الدول الكبرى الصناعية من خسائر فادحة في الدخل، ومعدلات بطالة قياسية، وخسارة في الإنتاج.

وكانت هذه الأزمة قد وصلت ذروتها عام 1933، ومن أهم الآثار التي نتجت عن هذه الأزمة، إشهار نصف البنوك الأمريكية تقريباً إفلاسها، كما ارتفعت نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي 15 مليون شخص.

أزمة ١٩٧٣

حدثت هذه الأزمة عام ١٩٧٣ عندما قررت الدول العربية المنضمة إلى منظمة “الأوبك” منع تصدير البترول الى الدول الداعمة لإسرائيل وخاصة أمريكا وحلفائها في الدول الغربية.

وقد أطلق خبراء الاقتصاد مصطلح “الركود التضخمي” على هذه الازمة، بسبب التضخم المروع الذي أحدثه ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى الركود الذي أحدثته الأزمة الاقتصادية.

وكانت نتيجة “صدمة أسعار النفط” حدوث انهيار في سوق الأسهم وارتفاع مستوى التضخم رافقه زيادة معدلات البطالة، وهو ما أدى في النهاية إلى سقوط حكومة انجلترا برئاسة تيد هيث في عام 1974.

ازمة أسواق شرق آسيا 1997 

بدأت هذه الأزمة في تايلاند عام ١٩٩٧ ثم امتدت الى باقي دول جنوب شرق آسيا، وكان السبب الأول لهذه  الأزمة هو إفراط دول شرق آسيا في نظام الائتمان، وهو ما تسبب في تراكم ضخم من الديون لمجموعة النمور الاسيوية .

ولم يكن أمام  الحكومة التايلاندية سوى التخلي عن سعر صرف عملتها الثابت مقابل الدولار الأمريكي، وذلك سبب نقص الدخل من النقد الأجنبي.

وأعقب تلك الأزمة موجة من الذعر أصابت الأسواق المالية الآسيوية، وانعكس ذلك بشكل واسع على الاستثمارات الأجنبية في تلك الدول، إضافة إلى خوف عالمي من انهيار مالي وشيك.

أزمة الرهن العقاري 2008

تُصنف تلك الأزمة بأنها أشد أزمة مالية في العالم منذ أزمة الكساد الكبير، وبدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الارتفاع المفاجئ لأسعار العقارات، وهو ما أدى الى إفلاس العديد من البنوك الأمريكية والأوروبية وإغلاقها تماما، وذلك بسبب فشلها في الالتزام في تسديد أموال عملائها وعدم قدرتها على تحمل الأعباء المالية للعقارات المرهونة لديها.

وكانت النتيجة المباشرة لتلك الأزمة هي ارتفاع نسبة البطالة في العديد من دول العالم وأيضاً انخفاض الناتج المحلي لهذه الدول، وخاصة في الولايات المتحدة، كما تسببت هذه الأزمة في وجود خلل في حركة الصادرات والواردات بين الدول، ونقص التمويل.

أزمة الديون الأوروبية 2009

تعرف أيضاُ باسم أزمة “منطقة اليورو”، وهي أحد نتائج الأزمة المالية التي حدثت في العام 2008، وبدأت الأزمة عندما أعلنت دول أوروبية عجزها عن سداد أو إعادة تمويل ديونها الحكومية أو إنقاذ بنوكها المحاصرة، دون مساعدة من مؤسسات مالية خارجية. وشملت العديد من الدول الأوروبية مثل البرتغال واليونان وقبرص ووصلت الأزمة إلى إسبانيا.

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021