اقتصاديو العرب

المنهج في القرآن

المنهج في القرآن

المنهج في القرآن

أفق معرفي لا متناه هو الوصف الذي قد يفسر كينونة القران الكريم، واحسبها مغامرة ان أتحدث عن المنهج او مناهج القرآن، فالإطلالة الأولى لمخيلتنا لا تهبنا القدرة التي تحيلنا إلى استيعاب يمكن إنضاجه ويتصل بوجود تبويب يشير إلى المنهج او طريقته وآلياته في القرآن بشكل مباشر.

مع هذا فالمحاولة لا يجب ان تعاق بردة فعل دوغمائية متعالية لا تنتمي إلى البحث العلمي، وإذا انطلق البحث من مفهوم المناهج في القرآن فذلك يعني الاستمرار بمحاولة استنباط العديد من المناهج التي تتوزع في امتدادات القرآن وهو ما سوف أتابعه في مقالات أخرى. وإذ انتمت هذه المقالة إلى محاولة تدعي الجدية في تناول نصوص توجب ان ينظر إليها بشكل مغاير، فان ذلك يتطلب ان ينظر لتلك الأوراق أيضا بشكل متأن وغير عجول تحقيقا للبحث العلمي و الموضوعي.

ان ما أردت من لفظة المنهج (كما افهم) هو تلك الخطوات المتسلسلة بطريقة منطقية مترابطة والتي تخلص الى نتائج تعمل على حلحلة أزمة او تقديم طرق عملية جديدة او كشف لمعطيات علمية واجتماعية او هو في القرآن عملية يراد منها السيطرة على المشكلة او افتراض المشكلة وتذويبها وإيجاد الحلول لها .

وبالدخول مباشرة في خصائص المنهج القرآني سنكتشف ان هناك جملة من العناصر المميزة للمنهج او المناهج في القرآن منها:

– ارتباطه بقصة واقعية معاشة في القرآن، فهو حل لأزمة او فروض لمشكلة وهي تتعدد بعدد الأزمات أو المشكلات التي طرحها القرآن، ومن ذلك مشكلة سيدنا إبراهيم في البحث عن الخالق، القحط في مصر ومنهجه المشكلة على يد سيدنا يوسف بطريقة المنهج الافتراضي او المستقبلي أو الميتافيزيقي او التأويلي، وكل هذا وغيره لا يجانب أو يتعالى عن الجانب العلمي فالخطوات بحد ذاتها تمثل فعلاً إجرائياً تنفيذياً لحل مشكلة واقعية وبطريقة تنظيمية تحتاج الى ان نرتب تسلسلها وقد قادت الى حلحلة أزمة ما بطريقة ناجحة وبخطوات تراتبية.

– اعتماد المنهجية الثنائية في القرآن الكريم أو الثلاثية (فقد يشترك منهج او أكثر) ، فالمنهج المقارن مثلا يتواشج والمنهج الاستدلالي وهذا ما يشمل أيضا المنهج الافتراضي المستقبلي او المنهج الميتافيزيقي التأويلي .

– ربما يقوم القرآن بإلغاء الفروض في بعض الأحيان، فالمنهج بشكل عام يبدأ ( من المشكلة ثم وضع الفرضية او الفروض ثم اختبارها ثم الحلول ثم النتائج وبعدها مراجعة النتائج) . فقد يختصر المنهج في قاعدتين فقط او أكثر، وهذا ما تنبه لمثيله سابقا ابن سينا والغزالي فيما يخص حذف المقدمات في القرآن (كما يروي محمد أبو زهرة في تاريخ الجدل) فيقول ابن سينا ان الناظر في القرآن الكريم يرى أكثرها قد حذفت فيه إحدى المقدمات كما قال الغزالي ان القرآن مبناه الحذف والإيجاز .

– اذا كانت تنوعات المنهج في القران ترتبط بوجود مشكلة ( اجتماعية على الأغلب) مع توفير الحل لتلك المشكلة فانه يتوجب علينا ان نفرق بين النص القرآني بعده نصا فقط وبين النص الذي يتحدث عن خطوات حل لازمة أو مشكلة ما ، كما يجب ان نفرق بين القضية المنطقية في القرآن وهي مقدمة تحمل موضوعا ومحمولا والمفردة او الخطوة التي تدرج ضمن المنهج في القران .

يرد اسم المنهاج في القرآن ربما بصورة فيها بعض التفضيل والشمولية على لفظ المنهج الذي تعارفنا على تسميته اليوم .
المنهج يعمل على تبويب فعل الإنسان الذي يتوجب ان يتخذ القرار الأفضل او الأنسب او الأصلح .

ان المناهج النفسية والأخلاقية والدينية والاجتماعية – بعدها آلية متسلسلة تنظم السلوك الإنساني – تبدو كما نراها في القران أكثر من المناهج العلمية ومع ان المنهج التجريبي في القرآن والاستقرائي والفرضي والتنبؤي والمستقبلي والمقارن والاستدلالي وغيره يبرز بوضوح الا ان بعضاً من التفسير يعود الى ان تطبيق المناهج الإنسانية وتفعيلها يساعد على تنظيم العلاقات الإنسانية والمجتمعية وبالتالي إنتاج مناهج علمية مختلفة، واعتقد ان بعض نمو المناهج الفكرية والعلمية وتبادل الخبرات العلمية وتدريسها في البيئة الإسلامية قاد جابر بن حيان وابن الهيثم والأطباء على تنمية المنهج التجريبي الذي استثمرته أوروبا بشكل كبير وأضاعه العرب بانشغالهم بالصنعة الكلامية أكثر من التجريبية، وتقاطعت مع التجريب والتجربة في ذلك الوقت سلطة الحكام الذين ترعبهم المفاجئة سيما اذا أمكن لتلك المفاجئة تغيير الواقع او الإضرار بسلطة الحاكم . فالقاعدة الأساسية لإنتاج المناهج المختلفة هو بناء المجتمع المنتج للمناهج العلمية،هناك مشكلة تحتاج الى منهج متكامل إلا ان بعض المشكلات تحتاج إلى منهج جزئي.

بقلم : ا.د.رحيم محمد الساعدي