اقتصاديو العرب

الضمان الاجتماعي

الضمان الاجتماعي: التعريف، والخصائص، آلية عمله، وتأثيره على السلوك الاقتصادي

نظام الضمان الاجتماعي أو الحماية الاجتماعية يعتبر نظام قانوني اجتماعي واقتصادي، وهذا بالنظر الى الأهمية القانونية التي يحتلها لكونه يسعى إلى توفير الحماية الاجتماعية لمختلف أفراد المجتمع ضد المخاطر التي قد يتعرض لها هؤلاء هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعد أداة اقتصادية فعالة في يد الدولة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.

اقرأ أيضاًالتنمية المستدامة- الجزء الأول

اقرأ أيضاً: التنمية المستدامة- الجزء الثاني

تعريف الضمان الاجتماعي

الضمان الاجتماعي يعّرف على أنه “نظام لضمان عيش الفرد في حده الأدنى المعقول، عن طريق تأمين العمل له، وحماية قدرته عليه، وتعويضه عن دخله المفقود في حالة انقطاعه عنه لأسباب خارجة عن إرادته، وتغطية النفقات الاستثنائية التي تترتب على المرض أو الإصابة أو العجز أو الوفاة، وكذلك نفقات الأعباء العائلية”.

وهناك من عرفه على أنه “كل تأمين إجباري من الدولة يهدف إلى توفير الحماية المادية للطبقات الضعيفة للمجتمع في حالة تعرضهم لأخطار ليس في قدرتهم تحملها كأخطار المرض أو حوادث العمل، أو العجز أو الوفاة المبكرة، والبطالة، أو وصولهم سن الشيخوخة”.

كما يمكن تعريفه بأنه وسيلة من وسائل الحماية غايتها توفير الأمان والحماية للفرد من الأخطار أو المخاطر التي قد تواجهه في حياته اليومية، والتي تهدد مصدر رزقه، وهذه الأخطار تتمثل في: حوادث العمل والأمراض المهنية، وحالات العجز والمرض، وحالة الوفاة والولادة…، ولهذا فالضمان الاجتماعي يوفر الحماية ضد كل المخاطر الناجمة عن فقدان الدخل أو انتقاصه عند الأفراد، أو بمعنى آخر أن الضمان الاجتماعي مرتبط بالأمن الاقتصادي.

خصائص الضمان الاجتماعي

الضمان الاجتماعي قائم على التكافل الاجتماعي

هو ضمان اجتماعي مبني على أساس التكافل الاجتماعي، وذلك ضد المخاطر الاجتماعية التي قد تلحق بالأفراد، بحيث أن المتحملين لعبئ الضمان لا يكونون بالضرورة من المستفيدين منه بل القادرين على المساهمة فيه، لاسيما وأن الفئات المحتاجة إلى الضمان هي أقل الفئات قدرة على دفع نفقاته، وبالتالي ما يمكن قوله أن الضمان الاجتماعي جاء أساساً لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع، وهذا ما يؤكد بأن الضمان الاجتماعي يعتبر مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي.

الضمان الاجتماعي نظام الزامي

إن نظام الضمان الاجتماعي هو نظام إلزامي، وهذا بالنظر إلى طبيعة الدور الذي يؤديه من خلال إضفاء الحماية على أشخاص وفئات تقتضي مصلحة المجتمع حمايتهم، وهذا القصد لن يتحقق إلا بفرض إلزامية هذا النظام، وذلك بإجبار هذه الفئات على دفع اشتراكات إجبارية.

الضمان الاجتماعي هو نظام قانوني

الضمان الاجتماعي نظام قانوني، بمعنى أنه يتقرر بموجب قانون بصدر عن السلطة التشريعية في الدولة، وباعتباره كذلك فإنه يقوم أساساً على تحديد أهداف هذا النظام ونطاق تطبيقه سواء من حيث الأشخاص المستفيدين منه أو من حيث الأخطار المضمونة بموجبه.

الضمان الاجتماعي من النظام العام

إن الدور الذي يقوم به الضمان الاجتماعي في تحقيق أهداف المجتمع، وذلك من خلال تحقيق العدالة وتوفير الأمن الاجتماعيين هذا ما جعل قواعده آمرة وملزمة، وبالتالي جعل منه ركيزة من ركائز النظام العام الذي يقوم عليه المجتمع.

اقرأ أيضاًماذا تعرف عن السندات السيادية؟

آلية عمل الضمان الاجماعي

أحد طرق الحصول على بعض الحماية من المخاطر او الأحداث المشكوك فيها المتعلقة بالحياة هو شراء التأمين، في أسواق التأمين الخاصة، الناس يدفعون أقساط التأمين لشركة التأمين، وذلك بغية الحصول على فوائد في حالة معينة، وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من البرامج الحكومية التي تحل او تعوض عن الآثار المالية الناتجة عن خسائر الدخل التي تكون بالعادة ناجمة عن أحداث خارجة عن سيطرة الانسان، هذه البرامج، التي يشار إليها مجتمعة بالضمان الاجتماعي (الحماية الاجتماعية). 

باختصار عن آليه عمل الضمان الاجتماعي، خلال فترة العمل يتم دفع مساهمة عن كل فرد عامل، تكون عادة الدفعات نسبة من الراتب يدفع جزء منها العامل والجزء الاخر رب العمل، وبعد تقاعد العاملون يصبحون مستحقون لاستلام راتب شهري من صندوق الضمان الاجتماعي يكون معتد على المساهمات التي دفعها من قبلهم. 

اقرأ أيضاً: استشراف المستقبل

لكن هل هناك منطق في اقتصاديات الرفاه التقليدية لمثل هذا التدخل الحكومي الكبير في أسواق التأمين؟ 

للإجابة عن السؤال السابق يجب توضيح كيف يحمي الفرد نفسه من المخاطر المالية التي تكون مرافقه لاحتمالية عيشه أكثر من المدة المتوقعة؟ 

يتم الحماية عن طريق شراء وثيقة تأمين تعرف بـ (دفعات الحياة او التقاعدي)، حيث يقوم الفرد بدفع دفعة معينة من المال تعرف بقسط التأمين وبالمقابل بالمستقبل فإن الفرد يستلم دخل سنوي ثابت خلال فترة بقائه على الحياة، كلما كان القسط المدفوع أكبر تكون الدخل المستلم مستقبلا أكثر باعتبار العوامل الأخرى ثابتة. 

كما يجدر التنويه على وجود بعض التشابه بين هذه الوثيقة ووثيقة التأمين على الحياة حيث  يتم دفع دفعات سنوية لشركة التأمين وبالمقابل تدفع شركة التأمين مبلغ مقطوع عند وفاه الشخص للمستفيدين من الوثيقة. 

هذان النوعين من الوثائق يخدمون نفس الوظيفة الأساسية وهي الحفاظ على سلاسة الإستهلاك (consumption smooth)، حيث يتم تقليل الإستهلاك من قبل الفرد في السنوات التي يكون دخله عالي وذلك مقابل زيادة إستهلاكه أو الحفاظ على نفس المستوى من الإستهلاك خلال السنوات التي يقل بها الدخل. 

الشخص المتحوط يعمل على تقليل إستهلاكه عن طريق شراءه لوثيقه تأمين الحياة أو وثيقة دفعات الحياة (التقاعد) من أجل ضمان الحفاظ على درجة إستهلاك معين أو دخل معين يعد تقاعده أو لورثته. 

هناك أسباب للإعتقاد بأن أسواق التأمين الخاصة ستفشل بالعمل بكفاءة، من هذه الأسباب ظاهرة تعرف باسم الانتقاء العكسي الناجمة عند توقع أن للفرد حاجة خاصة لجمع المنافع، سيكون لديه ارتفاع على طلب التأمين بشكل خاص، وبسبب هذه الظاهرة تقوم شركة التأمين برفع أقساط التأمين في حال تغطية الحالات الفردية بشكل أكبر مقارنة بأقساط التأمين في حالة شراء التأمين من قبل مجموعة من الناس، هذه الأقساط المرتفعة تؤدي إلى تفاقم مشكلة سوء الاختيار، حيث أن الأشخاص الذين يعرفون أنهم معرضون لخطر كبير وانهم بحاجة للتأمين سيقومون بدفع هذه الأسعار المرتفعة، الأمر الذي يتطلب زيادة في أقساط التأمين.

وعليه يمكن التبرير لالزامية ووجود الضمان الاجتماعي بالتالي: –

تعتبر علاج لأحد حالات فشل السوق

 فشل السوق في توفير وتحديد مبالغ واقساط التأمين بشكل كفؤ يظهر بضرورة وجود التأمين الاجتماعي الإلزامي او ما يعرف بالضمان الاجتماعي كحل لمشكلة فشل السوق عن طريق إجبار تجميع الجميع في مجموعة واحدة كبيرة في البلاد للتأمين من مخاطر انقطاع الدخل عند التقاعد. 

الخطر المعنوي Moral hazard   

في حالة عدم قيام الأفراد بالإدخارات الكافية لاستخدامها خلال سنوات التقاعد وذلك بسبب أن الأشخاص يعتقدون أن الحكومة ملزمة بتوفير الدعم والمساعدات لهم، ومع هذا الاعتقاد يهمل الاشخاص صغيرو السن ادخار ما يكفي أو شراء وثائق التأمين خلال سنوات عملهم، وهذا الإعتقاد بإلزامية الحكومة يؤدي الى تقليل الإدخارات الخاصة بشكل غير كفؤ، وبسبب هذه التفكير يكون هناك واحد من المبررات لإلزامية وجود الضمان الاجتماعي لتقليل احتمالية عدم كفاية الادخارات. 

تخفيف وتقليل التكاليف الإدارية  

لغاية تحقيق سلاسة الاستهلاك، يقرر الفرد كمية الادخار المطلوبة للاستعداد لسنوات التقاعد إما عن طريق ادخار الاصول أو شراء وثائق دفعات الحياة، وهذا القرار يعتمد على توقع سنوات الحياة لكل فرد. في حال قيام متخذي القرار بالحكومة باختيار برنامج تقاعدي مناسب لجميع الأفراد فإن ذلك سيخفف من التكاليف الإدارية المتعلقة بدراسة الحالات الفردية لاختيار البرنامج المناسب لكل فرد واختيار الأقساط المرتبطة بهذا البرنامج، وبالتالي سيكون أرخص للإفراد. 

توزيع الدخل 

يساهم الضمان بتوزيع الدخل حيث أن الأشخاص أصحاب الدخول المرتفعة يحصلون على دخول نسبياً أقل مقارنة مع الأشخاص أصحاب الدخول المنخفضة على عكس البرامج التقاعدية الخاصة، لذلك من الممكن أن ينسحب اصحاب الدخول المرتفعة ويقومون بشراء البرامج الخاصة وهذا أحد اسباب جعل الزامية الاشتراك بالضمان الاجتماعي للإفراد. 

تحسين الوضع الاقتصادي لكبار السن 

واحد من اسباب وجود الضمان هو توفير دخل مناسب لكبار السن حيث أن معظم الأحيان يكون الراتب من الضمان الاجتماعي هو المصدر الوحيد للدخل لنسبة كبيرة من كبار السن، مما قد يؤدي الى تحسن الوضع الاقتصادي لكبار السن.  

اقرأ أيضاً: التأمين والمبادئ الأساسية التي يستند عليها

الضمان الاجتماعي- اقتصاديو العرب

الهيكل أو المكونات الأساسية للضمان الاجتماعي 

الصناديق الممولة بالكامل (Fully Funded System): بدأ هذا النظام في الولايات المتحدة الامريكية عام 1935 وهو مشابه لنظام التقاعد الخاص، وخلاله يقوم العاملون طوال فتره عملهم بدفع جزء من مرتباتهم وايداعه في صندوق معين، وخلال هذه الفترة تحقق هذه الايداعات فوائد مجمعه، وعند تقاعد الشخص تستخدم هذه الايرادات والفوائد المجمعة لدفع الرواتب التقاعدية ، هذه الطريقة الغيت تقريباً. 

في عام 1939 تم تحويل هذا النظام الى نظام آخر هو الصناديق غير الممولة (pay-as-you-go or unfunded system) والذي فيه يستلم فيه المتقاعدون رواتبهم من خلال قيام الموظفين الحاليين بدفع المساهمات المفروضة عليهم، أي أن كل جيل من المتقاعدين يتم دعمه من مدفوعات العاملين الحاليين وليس من الأموال المجمعة في صندوق الادخار خلال الاعوام السابقة. 

 أهم الأسباب التي أدت الى التحول بين النظامين: 

  • الشعور بأن معظم مدخرات كبار السن قد بددت بسبب آثار فترة الكساد العظيم وأنهم يستحقون أن يتم دعمهم بصورة أكبرمن الممكن حيث أن ما تم جمعه خلال الفترة السابقة يعتبر قليل (عدد السنوات قليلة). 
  • السبب الآخر للتحول هو خوف بعض السياسيين خلال فترة تجميع المدخرات أن يتم إدارتها بشكل غير كفؤ من قبل الحكومة، أو أن يتم توجيه هذه المدخرات الى برامج حكومية أخرى خلافاً لما هو مفروض. 

حالياً تغير نظام الضمان الاجتماعي في عام 1983 الى الصناديق الممولة جزئياً (Partial funded system) حيث يتم تجميع الاشتراكات وتوجيه جزء من الفائض الى صندوق ائتماني (Trust Fund) وبالتالي ليس كل الأموال المحصلة يتم دفعها كرواتب للمتقاعدين. 

اقرأ ايضاً: اقتصاد المعرفة

تأثير الضمان الاجتماعي على السلوك الاقتصادي 

بعض الاقتصاديون يتفقون على أن نظام الضمان الاجتماعي يشوه سلوك الأفراد ويعيق الكفاءة الاقتصادية، اغلب هذه النقاشات كانت تدور حول السلوك الإدخاري للإفراد واتخاذ القرارات بخصوص عرض العمل. 

السلوك الادخاري 

تنطلق معظم النقاشات حول الضمان والإدخار من النظرية المتعلقة بدورة الحياة الإدخارية التي تنص ان قرارات الفرد المتعلقة بالإستهلاك أو الإدخار تعمد على تقديرات الحياة أو العمر المتوقع. 

خلال فترة العمل الأفراد يقومون بادخار جزء من دخلهم لاستخدامه لتغطية استهلاكهم مستقبلاً، هذا الجزء من المدخرات يتم استثماره لحين الحاجة اليه وهذا يؤدي الى زيادة رأس المال في المجتمع. بالنسبة للأشخاص اصحاب المنفعة الحدية المتناقصة فهم يفضلون الإستهلاك السلس عبر الزمن، والإدخار يوفر آليه لتحقيق هذا الهدف من خلال نقل الإستهلاك خلال سنوات العمل الى سنوات التقاعد. 

هذه التغيرات في الاستهلاك نتيجة لثلاثة عوامل او تأثيرات: 

  1. تأثير إحلال الدخل. 
  2. تاثير التقاعد.
  3. تأثير الورثة.

تأثير احلال الدخل 

العاملون يدركون أنه مع وجود الضمان الاجتماعي فانهم سيحصلون على دخل مضمون عند التقاعد، فإذا نظروا على أن هذه الاشتراكات تمثل إدخار لهم في المستقبل، فإن إدخارهم الخاص سيصبح أقل، وبالتالي فإن وجود الضمان الاجتماعي سيزاحم الإدخار الخاص، ومع قلة الإدخار الخاص وعدم وجود زيادة في الإدخار العام (الحكومي) لتغطيه هذه الإنخفاض في الإدخار الخاص ،فان ذلك سيودي الى انخفاض التكوين الرأسمالي. 

تأثير التقاعد 

نظرية تفيد أن الأشخاص يميلون الى الإدخار بشكل أكبر لتمويل فترة أطول من تقاعدهم نظراً لتقديم الضمان الاجتماعي حافزاً على التقاعد المبكر. 

تأثير الورثة  

نظرية تفيد أن الأشخاص ربما يدخرون أكثر لتمويل ميراث لأولادهم من أجل تعويض تعويضهم عن إعادة توزيع الدخل بين الأجيال الناجم عن الضمان الاجتماعي. 

اقرأ ايضاً: العدوى المالية ودورها في انتقال الأزمات المالية

وبالخلاصة فان نظام الضمان الاجتماعي يعتبر من أحد وأهم صور الحماية الاجتماعية التي نصت عليها المعاهدات والدساتير الدولية، والتي تبنتها التشريعات المقارنة في قوانينها، وذلك بالنظر إلى أهميته القانونية والاجتماعية، وكذلك الاقتصادية لكونه يهدف إلى تغطية كافة المخاطر الاجتماعية والمهنية التي يتعرض لها الأفراد في المجتمعات.

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021