اقتصاديو العرب

العدوى المالية ودورها في انتقال الأزمات المالية

العدوى المالية ودورها في انتقال الأزمات المالية

يعتبر مصطلح العدوى المالية حديثاً نسبياً، حيث تم تداوله بين الاقتصاديين على نطاق واسع خلال النصف الثاني من عقد التسعينات من القرن الماضي، وما صاحب ذلك من انتشار الأزمات المالية في الأسواق الناشئة للعديد من الدول التي كانت تبدو اقتصادياتها في وضع جيد، وهو حال دول جنوب شرق آسيا.

اقرأ أيضاً: الأزمات المالية: مفهومها، وأنواعها، وأسبابها

مفهوم العدوى المالية

اهتم العديد من الاقتصاديين بالإنهيار أو الأضطراب الذي يحدث في الأسواق العاملة في الدول المختلفة، والناتج بفعل صدمة أو أزمة حدثت في أحد الأسواق الأخرى، ويطلق على هذه الظاهرة مصطلح العدوى المالية، ويقصد بها صدمة تحدث في سوق مالية لدولة ما تؤدي إلى تغيير أسعار الأصول في سوق مالية لدولة أخرى، أو هي فقدان الثقة في الأصول المالية المحلية نتيجة انهيار مالي خارجي.

وبذلك يشير مصطلح العدوى المالية إلى ظاهرة تقع عندما يتأثر اقتصاد بلد ما تأثيراً سلبياً ناتجاً عن تغيرات في أسعار الأصول في أسواق مالية في بلد آخر، أو أنها ظاهرة انتقال الاضطراب المالي من الدولة الأساس التي حدثت فيها الأزمة لدولة أخرى بسبب مجموعة روابط مشتركة بين الأسواق الناشئة  لتلك الدولة.

وتنشأ العدوى المالية نتيجة تأثير عامل أو مجموعة عوامل في قطاع ما، وانتقال ذلك التأثير لقطاعات أخرى في دولة ما، مسببة بذلك أزمة شاملة للنظام ككل، وتتسبب في حدوث أزمة مالية دولية عند انتقال هذا التأثير لدول أخرى.

وكلما كانت الأسواق المالية لتلك الدولة مرتبطة تاريخياً مع بعضها في نشاطها المالي، فإنه يمكن توقع التغير في أحد الأسواق اعتماداً على التغيرات الحادة في النشاطات المالية المتعلقة بالسوق الآخر.

وعادةً تنتقل الصدمات الاقتصادية من دولة إلى أخرى بسبب الإرتباط بين اقتصاديات الدول المختلفة، لكن المفاجئ أن تنتقل الصدمات من دولة إلى أخرى ليس بينهما روابط اقتصادية، وتفصل بينهما حدود جغرافية بعيدة، مما يجعل انتقال العدوى أمراً غير متوقعاً، ومثال ذلك الأزمة المالية الروسية التي وقعت عام 1998، وامتدت آثارها إلى المكسيك وعدد من دول أمريكا اللاتينية.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الدونات: اعادة التفكير بالاقتصاد من جديد

النماذج المفسرة للعدوى المالية

قدم الاقتصاديون عدة نماذج لتفسير العدوى المالية، حيث يضم كل نموذج مجموعة من المؤشرات، وأبرز تلك النماذج على النحو الاني:

  •  نموذج الروابط الاقتصادية: حيث تنتقل الأزمة المالية التي تقع في بلد إلى البلدان الأخرى التي تكون بينها روابط تجارية واستثمارية قوية.
  • نموذج زيادة الوعي: ويبين هذا النموذج أنه في ظل توفر المعلومات غير الكاملة، يتوقع المستثمرون حدوث التقلبات (المشكلات) التي تتعرض لها دولة ما في دول أخرى تماثلها في المؤشرات الاقتصادية الكلية والأساسية، وهذا ما يدفع بالمستثمرين إلى التخلي عن استثماراتهم في الدولة التي وقعت فيها التقلبات، وفي الدول المماثلة لها.
  • نموذج تعديل المحفظة المالية: وحسب هذا النموذج فإن وجود أزمة في بلد ما ينعكس بسرعة على استجابة مدراء المشاريع ببيعهم للأصول في هذا البلد، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يبيعون أصولهم في بلدان أخرى، حيث إن هذه الأصول تكون مجمعة في نفس المحفظة الاستثمارية التي تتضمن الاستثمارات في البلد التي وقعت فيها الأزمة.
  • نموذج سلوك القطيع: وهذا النموذج أكثر قبولاً وانتشاراً، وفي ظله يتخلى المستثمرون عن استثماراتهم بسبب ما يقوم به مستثمرون آخرون.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الدائري والابتعاد عن الاقتصاد الخطي

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

قياس انتقال عدوى الأزمات المالية

يمكن قياس انتقال عدوى الأزمات المالية بعدة طرق تتمثل في:

  •  قياس درجة الإرتباط بين أسعار أسهم أسواق مجموعة دول: حيث تعكس درجة الإرتباط العالية فيما بينها وجود عدوى مالية، وتفسر تلك الدرجة العالية ظاهرة انتقال الأزمات بين الأسواق المالية.
  • الاحتمالات المشروطة لأزمات العملة: تشير هذه الطريقة إلى قياس انتقال عدوى أزمة العملة عندما تكون هناك روابط مشتركة بين أسعار عملات الدول التي تحدث فيها عدوى مالية (مثل ارتباط العملات المالية لجميع دول جنوب شرق آسيا بالدول الأمريكي).
  • الانتقال السريع في المؤشرات المالية: وتعكس قياس التغير في مؤشر مالي معين في سوق مالية ما، ومقارنة ذلك مع التغير بنفس المؤشر لدولة أخرى.
  • التغيرات المشتركة في حركة وتدفق رؤوس الأموال ومعدلات الفوائد.

اقرأ أيضاً: تداول العملات الأجنبية وأهم الأمور التي يجب معرفتها عن سوق العملات الأجنبية

مثال على العدوى المالية :عدوى الأزمة المالية الأمريكية عام 2008

تعتبر الأزمة المالية العالمية لعام 2008 من أشد الأزمات المالية خطورة على الاقتصاد العالمي، حيث بدأت الأزمة بالأسواق المالية الأمريكية لتمتد بفعل العدوى المالية إلى الأسواق المالية الأوروبية، ثم إلى بلدان العالم، سواء المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي بعلاقات اقتصادية ومالية مباشرة أو غير مباشرة، ولم يقتصر انتقال العدوى على القطاع المصرفي والأسواق المالية فقط بل تعدتها إلى الاقتصاد الحقيقي من خلال عدة قنوات.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الأردني وأبرز التحديات والمحطات الاقتصادية الحرجة التي مر بها

قناة البنوك

لقد برزت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت في وقت قياسي بفعل تزايد مظاهر الاندماج الطوعي (القسري) للبنوك من خلال الاستحواذ، وإعلان تسعة عشر من بنكاً ومؤسسة مالية عملاقة إلى إشهار إفلاسها بعد شهرين من اندلاع الأزمة المالية، ومن أهم هذه البنوك بنك ليمان براذرز، وميريل لنش “Merill Lunch” الذي اشتراه بنك أوف أمريكا “Bank of America”، وتحول بنكي مورغان ستانلي “Morgan Stanley”، وغولدمان ساكس “Goldman Sacks” برغبتهما إلى مجموعتين مصرفيتين قابضتين تابعتين لبنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي للحصول على مساعدته في مواجهة الأزمة المالية العالمية.

وقد انهارت أسهم القطاع المصرفي نتيجة انتقال عدوى الأزمة إلى الأسواق المالية، وأدت إلى الانهيار في أسعار الأسهم في الأسواق المالية، وازدادت الأزمة تعقيداً في ظل عدم قدرة بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي في التخفيف من حدة تراجع المؤشرات.

اقرأ أيضاً: حوكمة الشركات: التعريف، والمبررات، والأهمية، والمبادئ، والأهداف

قناة أسواق المال

تعد قناة أسواق المال من أكثر القنوات تأثيراً في انتقال الأزمات المالية، بسبب تزايد دور أسواق الأوراق المالية في مختلف الدول، وتوجه العديد من المستثمرين إلى الاستثمار المحفظي، والقيام بعمليات المضاربة في تلك الأسواق لتحقيق الأرباح.

لقد انتقلت الأزمة لتشمل معظم الأسواق المالية العالمية، حيث انخفض المؤشر العام لأهم البورصات العالمية مباشرةً بعد انخفاض أسهم بورصة وول ستريت وعلى سبيل المثال بورصة فرانكفورت انخفض مؤشرها بنسبة 7.1 %، وبورصة باريس انخفض مؤشرها بنسبة 6.8%، وبورصة لندن انخفض مؤشرها بنسبة 5.4%، و بورصة مدريد انخفض مؤشرها بنسبة 7.5%.

وامتدت الأزمة لتشمل أسعار أسهم الشركات غير العاملة في القطاع العقاري، ويرجع هذا الانخفاض في أسعار الأسهم بسبب اتجاه حملة الأسهم إلى الاستثمار في أسواق مالية مختلفة في آن واحد، رغبةً منهم في توزيع المخاطر، وعند تعرض أسهمهم لخسائر في بورصة ما سيدفعهم إلى سحب أموالهم المستثمرة في بلد آخر لتعويض الخسارة، أو لتجنب خسارة ثانية.

اقرأ أيضاً: الثور والدب: وحوش الأسواق المالية

قناة سعر الصرف

لقد تحولت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أزمة مالية عالمية من خلال قناة سعر الصرف، وذلك نظراً للحجم الذي يمثله الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي، وقد أثرت الانهيارات في الأسواق المالية على أسواق الصرف الأجنبي، حيث أن انخفاض الاستثمارات المحفظية الأجنبية في الأوراق المالية الأمريكية (الأسهم والسندات) بسبب تراجع الثقة في سيولة هذه الأصول والعائد عليها، أدى إلى تراجع سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدولار الأمريكي مقابل اليورو بنسبة 15% في الفترة الممتدة من منتصف عام 2007  إلى بداية شهر ديسمبر من عام 2008، وقد يترتب على انخفاض القيمة الفعلية للدولار ارتفاع أسعار السلع الأساسية بالدولار، وهذا ما يؤثر بدرجة كبيرة على أسعار الذهب والنفط الخام والمعادن الصناعية.

اقرأ أيضاًتداول العملات الأجنبية وأهم الأمور التي يجب معرفتها عن سوق العملات الأجنبية

قناة التجارة الخارجية

يشكل الاقتصاد الأمريكي ما لا يقل عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويؤثر مباشرة على ما لا يقل عن 50 اقتصاداً، وبالتالي فإن ركود الاقتصاد الأمريكي عام 2008،  ينعكس على صادرات البلدان الأخرى وعلى أسواقها المالية، حيث يؤدي إلى انخفاض طلب السوق الأمريكي على المنتجات من السلع والخدمات من الدول الأخرى بنسب مرتفعة، وهذا ما انعكس على انخفاض الصادرات المتدفقة من الدول الأخرى.

وامتد تأثير الأزمة المالية العالمية إلى دول العالم من خلال التجارة الدولية، إذ تراجعت قدرة العديد من الدول التي تحرك التجارة الدولية، ودخلت كل من ألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي واليابان مرحلة ركود نتيجة انخفاض قدرتها على التصدير والإستيراد بسبب انخفاض الطلب العالمي على السلع القابلة للتصدير، وهذا ما نتج عنه اتجاه الأسعار العالمية نحو الانخفاض.

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021

1 فكرة عن “العدوى المالية ودورها في انتقال الأزمات المالية”

  1. Pingback: الضمان الاجتماعي: التعريف، والخصائص، آلية عمله، وتأثيره على السلوك الاقتصادي - اقتصاديو العرب

التعليقات مغلقة.