اقتصاديو العرب

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي يؤكد على انتهاء الحروب الكونية ومعالم النظام العالمي الجديد

الذكاء الاصطناعي يؤكد على انتهاء الحروب الكونية ومعالم النظام العالمي الجديد

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م لم تقع ولا حرب كونية مباشرة بين الكبار الذين يملكون أسلحة نووية، بل الحروب جميعها كانت بالوكالة عن مصالح الكبار وتعضيد لنفوذ الولايات المتحدة، بعد أن وافقت قيادة الاتحاد السوفياتي أن تكون شريك أصغر للولايات المتحدة يساعدها على طرد أو تحجيم نفوذ شركائها السابقين الانجليز والفرنسيين، وبناءً على ذلك صنعت الولايات المتحدة الهيئات والمنظمات الدولية والمصارف الفدرالية لتساعدها أن تكون صاحبة النفوذ الأول في قيادة العالم.

تمكنت الولايات المتحدة بدون حروب كونية من تحجيم نفوذ الاتحاد السوفياتي على الحقيقة وتضخيمه على المجاز لتتكئ عليه في قيادة العالم بدأ بما سُمي الأزمة الكوبية عام 1961، ووضع العالم كما يقولون على “كف عفريت”، مقترباً من حرب نووية فولكلورية كان من جرائها الوفاق الأول العالمي بين الأمريكان والسوفييت، والذي كان من نتائجه تطوير الحرب في فيتنام كمرحلة أولية لجر الصين إلى سياسة التعايش السلمي وتخلي قيادة (ماو تسي دونغ) التاريخية عن خيالات “لينين وستالين” والاقتناع بمبدأ التعايش السلمي وكان من جراء ذلك أن وافقت الولايات المتحدة بالتنسيق مع السوفييت على طرد “تايوان” الصين الوطنية من مجلس الأمن والاعتراف بالصين الشعبية دولة عظمى في عام 1971.

استمر التعاون الأمريكي السوفياتي لقيادة العالم وبروح رياضية مع هاتف ساخن أحمر بين الرئيسين لحل المعضلات الكبرى، والامم المتحدة تصادق صاغرة على هذا التعاون تحت مسمى “قيادة القطبين” وهذا الحال أسماه الصحفيون والمراقبون السياسيون المتواطئون أو التافهون بالحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة لحلف الأطلسي والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي لحلف “وارسو” لكن الحقيقة لم تكن حرب باردة بينهما بل تكتيكات عسكرية واقتصادية واجتماعية كان من جرائها أصبحت الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الحقيقي في العالم وتتكئ لترسيخ هذا النفوذ على الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا الغربية على أن ترمي لهم من فئات المصالح الاقتصادية ليعيشوا كدول مساندة للسياسة الأمريكية، وهي تضمن لهم تمرير مصالح مالية وعسكرية واقتصادية في العالم، دون أن يؤثر ذلك على جوهر السياسة الأمريكية في العالم وهو “مصالح الولايات المتحدة في العالم خط أحمر غير مسموح تجاوزه، وإلا العصا لمن عصا”.

توصل القائد السوفياتي “جورباتشوف” أن لا مقدرة للاتحاد السوفياتي أن يعاند الولايات المتحدة لتحقيق مصالحه الحيوية إلا على حساب المستهلك السوفياتي وجوعة معدته، ولذلك وافق في اجتماع (ريكيا فيك) في ايسلندا بينه وبين الرئيس (ريجان) على اتفاقيتي سالت 1 وسالت 2 لنزع الأسلحة النووية على أن توقف الولايات المتحدة برنامجها وهو حرب النجوم معللاً ذلك أن لا أسرار في العالم بعد اليوم، قائلاً “لقد كشف كل من الرئيسين ليس ما في عقله من أفكار فقط، بل ما في باطنه حتى المعدة والجهاز الهضمي”.

بناءً على ما تقدم فضل جورباتشوف العيش الرغد كما تصوره من جراء نظريتي إعادة التفكير وإعادة البناء “الجلاسنوست والبرسترايكا” ولأن الغاية من الفكر الماركسي إسعاد الإنسان ورفاهيته وإنصافه وكل ذلك لم يتحقق إلا بشكل جزئي منذ تطبيق الماركسية عام 1917م وأن سياسته الجديدة ستحقق غاية الماركسية وكفى الله الماركسية والماركسيين العناء والقتال.

ما بعد اتفاق مؤتمر “يالطا” وعلى أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، حدثت نزاعات محلية وإقليمية ودولية وكلها كانت تمثيليات على الشعوب ومسرحيات بين الأمريكان والسوفييت وقد آن الأوان على ضوء نتائج مؤتمر ريكيا فيك عام 1986 أن يكون اللعب على المكشوف بإغلاق مرحلة ما أسموه زوراً وبهتاناً بالحرب الباردة، ولزوم خروج السوفييت من اللعبة الدولية حتى كشريك أصغر، وبقائهم قوة الاتحاد الأوربي بإشغالها في صراعات القارة الأوربية كما هو في الحرب الاكرانية الروسية الان التي هدفها إنهاك الفريقين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوربي الذي من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة متفرغة لنظام عالمي جديد يراعي تطلعات الصين الشعبية وشعوب الشرق الأوسط الواسع في قيادة العالم كمتعاون على حساب نفوذ روسيا والاتحاد الأوربي.

باختصار هذا التطور العالمي على صعيد العسكرة التقليدية والعسكرة الكيماوية والبيولوجية والجرثومية والنووية باختلاف مواصفاتها والتي غدت نمراً من ورق وأضيف إليها حديثاً إمكانات الذكاء الاصطناعي التي تسخر كل هذه العلوم المذكورة لتكون أداة تدمير أسرع في الاتصالات والطاقة “السيبرانية” فقد كان قبل الذكاء الاصطناعي إمكانية تدمير العالم في أيام، أما بعد الذكاء الاصطناعي فيزول كوكب الأرض بمن عليه في لحظات أو دقائق، يفكر العالم الان بقيادة الولايات المتحدة في نظام عالمي جديد يقضي على ظاهرة تضخم الدولار الانفلاتي في العالم ويكون شعاره “من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته” لا حل إلا هذا الحل إذا أراد الذين يسمونهم الكبار في استمرار الحياة على الكرة الأرضية، لابد من مراعاة مصالح جميع الشعوب والأمم في النظام العالمي المقبل وإعادة توزيع الثروة والنفوذ في العالم، حتى يتمكن من العيش الرغيد واستمرار الحياة على هذا الكوكب، وإذا لم يحدث ذلك فإن الشعوب المتخلفة والفقيرة ستتمكن من القضاء على امبراطوريات هذا العالم المتقدم، وعبر التاريخ كل الامبراطوريات التي قامت في العالم قديماً وحديثا قضى عليها مجموعات متخلفة تكنولوجياً وبإمكانيات بسيطة لكن بروح عالية والتاريخ أمامكم وكفى به واعظاً لهذا العالم.

بقلم: د. منيــر الشــواف