اقتصاديو العرب

هل تعود الولايات المتحدة إلى الدولار الذهبي؟

هل تعود الولايات المتحدة إلى الدولار الذهبي؟

هل تعود الولايات المتحدة إلى الدولار الذهبي؟

في 1971/8/15 أقدم الرئيس الأمريكي نيكسون بقرار رئاسي مفاجئ فصل فيه الدولار الأمريكي عن الذهب، واخترق بهذا الفعل اتفاقية “برايتون وودز” العالمية الموقعة عام 1945 عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي تعهدت فيها الولايات المتحدة أن تدفع لكل حامل دولار ورقي في أي وقت ومكان أونصة ذهبية مقابل كل (35) دولار، وأن يكون الدولار الأمريكي العملة الوحيدة التي يجري على أساسها بيع وتسعير النفط عالمياً.

أقدم نيكسون على هذه الخطوة الخطيرة والمفاجئة بعد أن اضطرت الولايات المتحدة إلى طبع المزيد من الدولارات الورقية غير المدعومة بالذهب لتسديد خسائرها ونفقاتها في حرب فيتنام، ونجم عن ذلك بطالة وكساد وركود في الاقتصاد الأمريكي، حيث بلغ حجم العملات المتداولة في الأسواق العالمية (300) مليار دولار، بينما كان حجم احتياطي الذهب لا يزيد على (14) مليار وفقاً للسعر الرسمي الذي أقرته اتفاقية (برايتون وودز).

هذه هي الحالة الاقتصادية المسيطرة في الولايات المتحدة عندما أقدم نيكسون على هذه الصدمة والتي سمتها الصحافة البريطانية “NIXON SHOCK” وعلى أثر ذلك استمر تقويم العملات الأخرى العالمية وارتبطت بحكم الأمر الواقع بأسعار الدولار وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، معتمدة على الثقة القوية بالدولار وبالاقتصاد القومي الأمريكي إضافة إلى نفوذ الولايات المتحدة في العالم.

ارتفع سعر برميل النفط من (8) دولار عام 1971 إلى (38) دولار إثر حرب عام 1973 كما هو سعر الأوبك، وزادت الولايات المتحدة في طباعة الدولار الورقي واستمر الطلب المحموم عليه، لأن العالم كله ملزم أن يأخذ هذا الورق النقدي ويسدد به قيمة النفط حسب بورصة نيويورك.

والسؤال الذي يفرض نفسه ماهي حقيقة دوافع نيكسون عندما فصل الدولار عن الذهب، ولماذا؟

إن المصرف الفدرالي الأمريكي والذي أسسه عام 1913 إثني عشر مصرفاً ومصرفياً ممثله لعوائل مالية مثل “مورجان وفورد روكفلر” وغيرهم من كبار المتمولين الأمريكان، مع بعض المشاركين من المصرفيين العالميين كعائلة روتشيلد والكرسي البابوي، وهذا المصرف “الغير حكومي والحكومي” بنفس الوقت ينسق مع الخزينة المركزية الأمريكية لتقرير حاجة السوق المحلي والعالمي للدولار، والحقيقة أن دور الخزانة الأمريكية دور استشاري، وليس بمركز اتخاذ القرار، هذا القرار الذي يتخذه مجلس إدارة مكون من سبعة أشخاص، واقعياً يتحكمون باقتصاد العالم، لأن قرارهم يحدد حجم تداول الدولار وسعر الفائدة، وهذين الأمرين كافيين للسيطرة على النظام العالمي المالي، وعلى أسواق تداول العملات في (نيويورك وباريس ولندن وطوكيو).

الحقيقة الملموسة وغير المرئية بالعين المجردة، هي أن النظام السياسي الأمريكي نظام رأسمالي وليس ديمقراطي، وإن أهل الفعاليات الاقتصادية من مصرفين وصناعات ثقيلة وعسكرية وشركات تأمين، تملك القرار السياسي في البلاد، وتفعله بطريق ليبرالي أي أن المواطن الأمريكي حر في أن يختار بإرادته ما أختاره له أصحاب الفعاليات الاقتصادية، وذلك بفضل مؤثرات خلقوها ويدور بفلكها الحكام والمحكومين بما فيهم الرئيس الأمريكي نفسه، وهذا عين الاستبداد المهذب عندما ترضى أن تقمع نفسك باختيارك.

إذن تعليق اتفاقية “برايتون وودز” في: 1971/8/15 من قبل الرئيس الأمريكي نيكسون أدى إلى صدمة كبيرة في العالم تولد عنها سيطرة النظام الأمريكي اقتصادياً وسياسياً على العالم لكنه أغرق الولايات المتحدة في ديون آجلة أصبحت من مصائب النظام الرأسمالي والعالم.

إن دراسات المصرف الفيدرالي الأمريكي ومتمولي الولايات المتحدة، توصلوا في 1971/8/15 إلى أن الولايات المتحدة بعد “قانون مارشال” لإعمار أوربا وحروب كوريا وفيتنام والتضحيات التي قدمتها من أجل إنهاض أوربا والعالم من كبوته، عندما أفرغت خزائنها وأصولها دعماً العالم الغربي ليقف أمام تغول وتوسع النظام السوفياتي وتابعيه من حلف وارسو، ولقد آن الآوان لأوروبا واليابان والنظام المالي العالمي أن يدفعوا الجزية للولايات المتحدة التي كان من المفترض أن يدفعوها لألمانيا النازية ودول المحور، لولا أن أنقذتها الولايات المتحدة برجالها وأموالها وعتادها، بينما الأخرون يكتنزون الذهب والفضة والمعادن الثمينة التي حصلوا عليها من قارتي أفريقيا وآسيا والعالم الثالث، وكل ذلك كان بفضل المظلة الأمريكية التي حافظت على هذه الأنظمة وهذا النظام.

إن توسع المصرف الفدرالي الأمريكي في صك الدولار حتى غدت أوراقه في العالم عملة سائبة بدون رصيد من الذهب أو الدخل القومي، وتعتمد فقط على ثقة العالم بالنظام الأمريكي والاقتصاد القومي، ولكن الحقيقة أنها كانت تخشى سطوة  الولايات المتحدة أيضاً التي جعلت العالم يقبل الدولار، ثم لا يستطيع الاستغناء عنه، وذلك بسبب مقدرة الولايات المتحدة على النفع والإضرار، فلا تركه ممكن والابقاء عليه ظلم، بعد أن بلغت ديون الولايات المتحدة (34) ترليون دولار أمريكي بين عملة ورقية وسندات خزينة، حتى أصبحت أكبر دولة مدينة بالعالم، إن لم تكن الأساسية، مدينة إلى الدول الأوربية والصين واليابان ودول النفط والشركات الكبرى المحلية والعالمية وهي في طريقها إلى الاستدانة بمعدل (1,5) ترليون سنوياً، ولولا قوة الولايات المتحدة ونفوذها لأعلن مجلس الدائنين بيعها بالزاد العلني، كما بيعت قناة السويس في عهد الخديوية، وطالما أن هذا الوضع غير ممكن الاستمرار فيه قطعاً. فإن الولايات المتحدة تفكر في العودة إلى النظام الذهبي للعملات، وينجم عن ذلك احراق ديونها وديون العالم والعودة إلى صفر ديون وشطب كافة ديون العالم أي تعود الولايات المتحدة والنظام المالي العالمي إلى ما قبل 1971/8/15.

ولا يوجد حل أخر أمام الولايات المتحدة والعالم إلا هذا الحل ولو طال الزمن، وكلما تأخرت الولايات المتحدة كلما زادت أعباءها وأعباء العالم المالية، حتى يعود العالم بأجمعه إلى نظام التبادل المكفول بالرصيد الذهبي والفضي، ولا حل إلا هذا.

حيث كل المخططات المالية والسياسية والعسكرية للولايات المتحدة تدل على ذلك، بداً بالفوضى الخلاقة والشرق الأوسط  الواسع والحرب الأكرانية كلها من العلامات الكبرى التي تضطر العالم إلى تغيير النظام المالي الحالي أو الافلاس العالمي، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة، بأن تضع العالم أمام خيارين الإفلاس والحروب أو العودة إلى النظام المعدني في العملات.

وإن الصين واليابان والدول الأوربية واعية على هذه المخططات ولذلك تجدها ضاعفت في السنوات الأخيرة عمليات اكتناز الذهب في مصارفها المركزية تحسباً لهذا اليوم، وتكتفي دول النفط بإيداع ما أمكنها من المليارات بل التريليونات في مصارف الولايات المتحدة والأوربية أوراق نقدية بلا رصيد إنها رؤية تحتمل الخطأ والصواب والوهم والحقيقة لكنها جديرة بالدراسة والتأمل.       

   بقلم د.المحامي منير الشواف