اقتصاديو العرب

كيف نشأت الفلسفة في بلاد المسلمين؟

كيف نشأت الفلسفة في بلاد المسلمين؟

من المؤكد أن الفلسفة الإسلامية لم تنبع من فراغ فالمتتبع لها يجد أنها نتاج حتمي لتلك الثورة الفكرية الهائلة التي أحدثها الإسلام لاسيما في الجانب التوحيدي، حيث أحدث القرآن العظيم زلزلة في نفوس سامعيه بتحطيمه لتلك الأصنام التي سادت الجزيرة العربية كلها ولم يحطم الأوثان المادية فحسب وإنما دمر تلك العقائد والأفكار التي كانت معشعشة في أذهان البشرية جمعاء، فأيقظ ذلك العقل من ثباته، فتحركت جذوة الفكر الكامنة كمون النار في العود فلم يردد كثير من العرب، كما في السابق،:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) البقرة:170

 بل أقبلوا على الدين الجديد زرافات ووحدانا.
لقد كانت بداية انطلاق الفلسفة الإسلامية عندما قامت بالتصدي للهجوم الفكري على الدين الإسلامي فبرزت قوة الحجج العقلية التي وفرها القرآن العظيم، وقد حدث هذا بعد أن استقرت الدولة الإسلامية بعد كثير من الحروب والفتوحات التي حدث معظمها إبان عصر الدولة الأموية، أما عندما جاء العباسيون الذين جعلوا من بغداد عاصمة الدنيا، فغدت قصور العباسيين مكاناً للمناظرات الفكرية بين يدي الخليفة، وامتلأت تلك القصور بالعلماء في شتى المجالات: أدب، طب، فلك، رياضة … فتشكلت أرضية فلسفية فكرية استفادت من دعوته إلى النظر والتأمل والتدبر.

اقرأ أيضاً: النظام الاقتصادي الاسلامي- نظرة عامة

ولابد أن هناك عوامل ساعدت في نشأة الفلسفة عند العرب، بل وعملت على تطويرها حتى صارت نداً وصنواً يضاهى الفلسفة اليونانية، بما لها من قوة ومكانة في صدور المفكرين، وتفوقت عليها بما أبدعته من مجالات ومباحث جديدة: علم أصول الفقه، طرق ومناهج البحث العلمي، مقارنة الأديان، فن وفلسفة التاريخ.

ولكن ما هي العوامل التي ساعدت في نشأة الفلسفة الإسلامية؟؟

يقول زكريا بشير: ولما جاء الإسلام كان تغييراً شاملاً في حياة العرب… وكان محور كل ذلك، أولاً: القرآن الكريم، وثانياً: شخصية الرسول العربي (محمد)، صلى الله عليه وسلم، و العامل الثالث هو الحشد الذي نجم عن أوضاع المجتمع الجديد ، ويتمثل في الآتي :
أ/معارف العرب في الجاهلية.
ب/ الإسلام.
ج/ حركة الترجمة.

اقرأ أيضاً: اقتصاد المعرفة

كذلك يرى محفوظ على عزام: أن هناك عوامل داخلية، بجانب الدين، أسهمت في نشأة الفلسفة الإسلامية منها :
أ/الخلافات السياسية عقب إنتقال الرسول الكريم، عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، إلى الرفيق الأعلى.
ب/اللغة باعتبارها نظام عقلي فكري فلسفي.
ج/عوامل اقتصادية.

اقرأ أيضاً: استشراف المستقبل

ولا شك في أن أبرز العوامل التي ساهمت في نشأة الفلسفة في الإسلام، هي القرآن العظيم وشخصية الرسول الكريم، عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، اللذان غيرا وجه الجزيرة العربية والعالم أجمع، وقد تضافرت جملة عوامل أدت إلى نشأة وتطور الفلسفة الإسلامية، وهى على النحو التالي:
أ/ القرآن العظيم وما تولدت عنه من علوم: التفسير، الفقه، التوحيد.
ب/ السنة النبوية الشريفة وما نتج عنها من علوم : علم الحديث (دراية و رواية علم رجال السند).
ج/ المذاهب الفقهية .
د/ الحاجة إلى الذود عن العقيدة الإسلامية بالحجة والمنطق العقلي (علم الكلام).
هـ/ التحول الذي حدث في المجتمع بسبب الإسلام.
و/ الحوجة إلى استنباط الأحكام.
ز/ الاحتكاك والتمازج بين العرب وغيرهم الأمم الأخرى.
ح/ التعايش بين الأديان في بغداد.
ط/ انتشار العلوم والمعارف في الدولة العباسية.
ي/ نشاط حركة الترجمة.
ك/ ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.
ل/ اللغة العربية كمكون ثقافي ومعرفي.

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

وقد مرت الفلسفة الإسلامية بمراحل منذ نشأتها، وانقسم الناس حولها إلى أقسام ثلاثة :
أ/ فريق يرى أن الفلسفة يجب أن لا تكون بمنجاة عن الدين.
ب/ فريق يؤمن بفصل الفلسفة عن الدين فصلاًً تاماً.
ج/ فريق يرى ضرورة التوفيق بين الفلسفة والدين.

وقد انقسم الفريق الأخير، في محاولته التوفيقية، إلى أربعة فرق:
أ/ الإلهيون: وهم الذين غلبت عليهم الفلسفة الإلهية أمثال: الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، ابن طفيل، ابن باجة.
ب/ الطبيعيون: وهم الذين أخذوا بالعلوم الطبيعية كالكيمياء والطب والرياضيات (البيروني، ابن حيان، الرازي، ابن الهيثم الخوارزمي).
ج/ الأخلاقيون: اهتموا بدراسة الأخلاق والمجتمع (الغزالي، ابن مسكويه، ابن خلدون).
د/ الإشراقيون: عكفوا على الفلسفة الإشراقية (السهروردي المقتول، نصر الدين الطوسي).

اقرأ أيضاً: التنمية المستدامة- الجزء الأول

يقول المفكر والمؤرخ العربي ابن خلدون: بعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن أبعث إليَّ بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب أوقليدس، وبعض كتب الطبيعيات، فعكف عليها المسلمون وزادوا في الحرص على ما بقي منها . ثم جاء المأمون الذي عرف عنه حرصه على المعرفة وولعه بها، فنشطت حركة الترجمة بشكل لا يتصوره عقل، لما بذله المأمون في سبيلها فبعث الوفود إلى ملوك الروم طالباً إليهم إرسال اليونان علوم وكتاباتهم مترجمة إلى العربية، فحذق المسلمون الكثير من المعارف و أدركوا فيها الغاية، مما أعانهم على فهم كنه آراء الفلاسفة اليونان فقاموا بتفنيد فكر أرسطو.
ومن الذين برزوا في هذا المضمار من المسلمين : أبو نصر الفارابي، وأبو على (ابن سينا) وأبو الوليد (ابن رشد) و (ابن طفيل) ولم يقف الأمر عند حد الترجمة بل تعداه إلى ظهور العلماء في شتى ضروب المعرفة.

اقرأ أيضاً: التنمية المستدامة- الجزء الثاني
ومما شجع الناس على طلب العلم والمعرفة، احتفاء الخلفاء والوزراء والأعيان بالعلماء إذ صارت قصور بنى العباس ملتقى للتلاقح الفكري بين العلماء والفقهاء والشعراء وكافة أهل العلم والمعرفة . يروى بن النديم صاحب كتاب الفهرست حكاية عن المأمون يقول فيها: إن المأمون رأى في منامه كأن رجلاً أبيض اللون مشرب بحمرة واسع الجبهة…، فقال المأمون: كأني بين يديه وقد ملئت منه هيبة. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا أرسطو طاليس. فسررت به وقلت: أيها الحكيم أسألك؟ قال: سل. قلت: ما الحسن ؟ قال: الحسن ما حسن في العقل. قلت ثم ماذا؟ قال: ما حسن في الشرع. قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حسن عند الجمهور. قلت: ثم ماذا ؟ قال: ثم لا ثم. ثم انتبه من نومه وسأل عن أرسطو طاليس فقيل له: رجل من اليونان حكيم، فاحضر حنين بن إسحاق وسأله نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى العربية وبذل له من الأموال والعطايا شيئاً كثيراً…، وقد تبين أن العرب قد حصلوا على ما لم يصل إلى الإفرنج بأربعمائة عام ويكمن سر حضارة العرب، وبروزهم على معاصريهم من الأمم …، وكثرت الاكتشافات في، الفلك، والحساب، والطب، والهندسة، والعلوم الطبية ما بلغ غايته ونهايته في القرن الرابع الهجري وهو عصر ابن سينا والطبري الطبيب تلميذ الرازي والبيروني.

لقد انتشرت العلوم كلها والعلوم العقلية خاصة بفضل نشاط حركة الترجمة، ومن بعده التأليف والتصنيف فكثرت دكاكين الوراقين وهذا مما يدل على انتشار المعرفة بين الناس في ذاك الأوان حيث يروى ابن سينا: أنه لما قدم بخاري لعلاج السلطان نوح؛ أنه استأذن في الدخول إلى خزانة، دار، الكتب فوصفها قائلاً: فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة …، ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط، ولا رأيته قبل ولا رأيته بعد ، وكانت بحلب أيام بحمدون خزانة من الكتب مشهورة من كل فن ولاسيما التاريخ والشعر وفلسفة الأوائل ما لا يحصى.

وللقصة بقية………..

 

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021