اقتصاديو العرب

قائد المركبة, السودان

قائد المركبة

اكتظ موقف الحافلات بالركاب الباحثين عن وسيلة تبلغهم وجهاتهم، وقد ازدحم المكان بخلق لا حصر له من البشر كأنهم في يوم الحشر من هول ما هم فيه من شدة التعب والضيق والعنت، فالجميع يتصببون عرقاً وحلوقهم جافة، وعيونهم زائغة تبحث في جميع الإتجاهات، عن مخرج من هذا الظرف العصيب لعل الفرج يأتي من احداها، وكلما زحفت عقارب الساعة اللاسعة، وهي تسير متقدمة ببطء شديد، ارتفعت حرارة الشمس ولهيبها، وازداد معها شعورهم بالضيق واحساسهم بالهم، وتضائلت فرص النجاة من هذا اللهيب المحرق، وبالتالي قل الأمل في العثور على مقعد في مركبة تقلهم إلى وجهاتهم.

اقرأ أيضاً: الضمير الحي بين الله والانسان

وأخذت الأسئلة تدور في الصدور والناس يتساءلون، كل في دخيلة نفسه، عن المخرج من هذا المأزق الخانق، وكيف الخلاص من براثن الشعور بالضيق والتوتر؟ ومن أين يأتي الفرج؟ وإلى أين المفر؟ وإلى متى الانتظار..؟

سؤال ومن خلفه تتدفق أسئلة لا تكاد تجد لها إجابة، لم يدم الحال طويلاً حتى بدأت الآهات المكتومة في التفجر ثم تلتها الهمهمات على الشفاه بالظهور، وشيئاً فشيئاً تعالت الأصوات وارتفع الضجيج بين أرتال الجماهير، ولكن دون فائدة أو بارقة أمل في العثور على لحظة انعتاق من بين أنياب هذا الغول المسمى، تجاوزاً بالمواصلات، والصواب هو وسائل النقل، إلا أن الموقف الآني في هذه اللحظة، لا يحتمل الحديث عن اللغة والصواب والخطأ فيها؛ بقدر ما يتوق كل إنسان إلى الخلاص من الآلام النفسية القاتلة والجسدية المبرحة، وكأن لسان الحال الناطق بالأقوال والمعبر بالأفعال يقول:

(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) الزخرف:77.

وعلى قول الشاعر، ابن الشيخان السلمي:

وللمقادير أحكام بعادتها * تقضي على كل حال باستحالتها
في أسرع الوقت تغيير لحالتها * ما بين غمضة عين وانتباهتها
يبدّل الله من حال إلى حالِ

وكذلك يقول الطغرائي:

فبينَ غفوةِ عينٍ وانتباهتها * يُقلَّبُ الدهرُ من حالٍ إِلى حالِ

في رمشة عين انقلب الموقف، بكامله، رأساً على عقب، وتدفقت ألامواج البشرية في تدافع مستميت، كل يرجو ويأمل في أن يجد مقعداً، أو بالعدم، وقوفاً ولو برجل واحدة في حافة السلم؛ كل ذلك الهرج والمرج حدث في لحظة رأى فيها البعض أنوار مركبة أطلت برأسها وهي تتهادى من بعيد، فلم يدعوها تصل إليهم وإنما هرولوا مندفعين ومسرعين نحوها، والسائق لا يعبأ بهم ويسير ويتهادى بمركبته بين الجموع التي ملأت المركبة في هنيهة من الزمن، وكما ظهرت المركبة فجأة انطلقت بحمولتها بذات السرعة التي ظهرت واختفت بها في ليل شديد الظلمة و في سواد شديد العتمة.

اقرأ أيضاً: القيادة: مفهومها، وأهميتها، وواجباتها، والمهارات المطلوبة من القائد

وبغتة تبددت الطمأنينة من نفوس الركاب ليحل محلها القلق ويسيطر عليهم الخوف ويستبد بهم الوجل من المجهول والمصير المنتظر؛ وذلك بعد ما انطفأت مصابيح مركبتهم في ذلك الظلام الموحش، وكأن القدر يأبى إلا أن يزيد في عناده لهم ويزيد من مخاوفهم، حيث اكتشف الركاب أن سائق المركبة، الذي كان يضع على عينيه نظارة سوداء، أنه أعمى البصر بل والبصيرة، أيضاً، ولا معرفة له بقيادة المركبات، من قبل، وهو يسير بهم في طريق لا معرفة له به، ومما زاد الطين بلة والطريق عثرات؛ أن المركبة تسير بلا كوابح، وفوق هذا وذاك فالسائق مختل العقل.

هذا هو، بلا أدنى شك، حال “قوى الحرية والتغيير” مع الشعب السوداني المكلوم والمغلوب على أمره، وهو يقول: أين المفر؟، فالقحط، أقصد، قحت أمامكم واللجان من خلفكم.
يا قوم أليس فيكم رجل رشيد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

 

اقرأ أيضاً:قصة حي بن يقظان عند ابن سينا والسهروردي وابن طفيل

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021