اقتصاديو العرب

الثورات الصناعية

تاريخ الثورات الصناعية: من المحرك البخاري وصولاً للإنسان الآلي

شهد العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر ثلاث ثورات صناعية، ويتبعها الآن عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تستند إلى ما حققته الثورة الصناعية الثالثة التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي من إنجازات لاسيما فيما يتعلق بالتطور غير المسبوق لشبكات الاتصال وتقنيات المعلومات.

وحيث استخدمت الثورة الصناعية الأولى الماء والبخار لتحريك الآلات، واستخدمت الثورة الصناعية الثانية الكهرباء من أجل الانتاج واسع النطاق، وركزت الثورة الصناعية الثالثة على استخدام الالكترونيات وتقنيات المعلومات لاتمتة الانتاج، تتمحور الثورة الصناعية الرابعة حول مزج التقنيات التي تلغي الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي في ظل بوتقة من التطورات التقنية المتسارعة التي امتدت تأثيراتها إلى عدد كبير من دول العالم في غضون العقد الحالي.

اقرأ أيضاً: اقتصاد المعرفة

اقرأ أيضاً: تطور التكنولوجيا والاقتصاد

الثورة الصناعية الأولى

كان الأساس الذي بنيت عليه هذه الثورة المُحَرِّك البخاري، فقد ساهم اختراع جيمس واط في عام  1784 في امتداد الصناعة في القرن التاسع عشر، وهي الثورة التي أَثَّرَت في تحسين مستوى معيشة الناس، وذلك مع انتشار التنمية الاقتصادية في كل مكان. نشأت الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا العظمى، وانتشرت إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في غضون فترة قصيرة من الزمن، إذ تراوحت فترة الثورة الصناعية الأولى من 1716 وحتى 1820.

كان التركيز الأول في التصنيع على المنسوجات في الثورة الصناعية الأولى، حيث بدأ التحول من عملية الإنتاج اليدوي إلى عملية التصنيع من خلال الآلات، وإدخال المواد الكيميائية، ومنتجات الحديد وتطوير الطاقة المائية وبخار الطاقة، وإلى استخدام الفحم مصدراً لتوليد الطاقة الرئيسية.

ومع ذلك، تغيرت كل جوانب الحياة نتيجة للثورة الصناعية، مما أدى إلى زيادة الدخل نتيجة لزيادة الكفاءة والذي بدوره زاد من مستوى المعيشة لكثير من الناس، وكانت صناعة الغزل والنسيج هي الصناعة الأولى والأسرع لاستخدام التكنولوجيا الحديثة.

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

الثورة الصناعية الثانية

امتدت من الثلث الأخير من القرن التاسع عشر حوالي عام 1870 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى نتيجةً للتطورات والاختراعات في مجال الكهرباء والنقل والكيماويات والحديد وخاصة الإنتاج والاستهلاك على نطاق واسع.

وهي الثورة المعروفة أيضاً باسم ثورة التكنولوجيا، وقد أدَّت إلى استمرار الثورة الصناعية الأولى وتميزت هذه الثورة مع زيادة اعتماد النقل والبخار والتصنيع على نطاق واسع من أدوات الآلات، والزيادة في استخدام الآلات البخارية في الشركات، كذلك بنيت العديد من خطوط السكك الحديدية مع التوجه نحو منتجات الصلب والحديد على نطاق واسع.

 آخر اختراع رئيسي كان في المرحلة الثانية من الثورة الصناعية هو الكهرباء والاتصالات الكهربائية، ويمكن النظر إلى التطور الصناعي السريع في هذه الفترة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الدائري والابتعاد عن الاقتصاد الخطي

الثورة الصناعية الثالثة

ابتدأت في نهاية القرن الماضي حوالي عام 1969، وارتبطت بتصنيع وإنتشار الحاسوب وتقنية المعلومات، ونقل أول رسالة عن طريق الإنترنت، ودخول الحواسيب في معظم مناحي التصنيع والاتصالات والتعليم.

اقرأ أيضاًالتنقيب عن البيانات وأهميته ومراحله والطرق المستخدمة للتنقيب عن البيانات

الثورة الصناعية الرابعة

تحدث الثورة الصناعية الرابعة نتيجةً للتقدم الذي تم إحرازه في تصنيع الإنسان الآلي، وربط الأشياء بعضها مع بعض عن طريق الإنترنت والبيانات الكبيرة وتقنية الهاتف النقال والطباعة ثلاثية الأبعاد والعلاج بالخلايا الجذعية، والجينوم البشري، وتقنية كريسبر، والنانو تكنولوجي، والبيوتكنولوجي، والسيارات ذاتية القيادة، والبيانات الضخمة، والعملات الافتراضية، وتخزين الطاقة وغيرها. واستناداً إلى إحدى التقديرات فإنَّ التبني الناجح لتلك التقنيات الجديدة، يُمكن أنْ يُعزز الإنتاجية العالمية بنفس القدر الذي حققه الكمبيوتر الشخصي والإنترنت خلال أواخر التسعينيات.

وبالنسبة للمستثمرين يقول الاقتصاديون أنَّ الثورة الرابعة تَعرض فرصاً للربح تُشبه تلك التي قدمتها الثورات التي سبقتها وربما تزيد عنها، وبالفعل فإنَّ أصحاب التقنيات في هذه المرحلة المبكرة من الثورة الصناعية يطلبون أسعاراً كبيرة جداً لتقنياتهم.

اقرأ أيضاً: البيانات الضخمة وواقعها في البلاد العربية

هذه الثورة تختلف عن الثورات السابقة لها في ثلاثة أبعاد رئيسة تتمثل في:

  1. سرعة انتشار التقنيات المصاحبة لهذه الثورة (نمو أسي مقابل نمو خطي لسرعة انتشار التقنيات المرتبطة بالثورات السابقة).
  2. اتساع نطاق وعمق تأثيراتها لتشمل كافة المجالات.
  3. قدرتها على إحداث تغيير جذري في أنظمة الانتاج والعالقات الاقتصادية وطريقة سير المجتمعات.

سوف يكون لهذه الثورة تداعيات ملموسة على الأنظمة الاقتصادية حيث ستؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة للبنيات الاقتصادية باتجاه التحول لقطاعات انتاج المعرفة والتقنيات عالية القيمة المضافة، في مقابل تراجع لمساهمة قطاعات الانتاج التقليدية لا سيما تلك التي تستفيد من التقنيات المصاحبة لتلك الثورة. كما سيستتبعها انخفاض لأسعار المواد الخام والسلع الأساسية نظراً للتطورات التقنية التي تنصب على إيجاد بدائل للمواد الخام أقل كلفة وأكثر استدامة وملائمة للاعتبارات البيئية بما سينهي عامل الندرة الذي كان معززاً لارتفاع أسعار هذه السلع، بالتالي من المتوقع أن تُنهي الثورة الصناعية الرابعة موجات ارتفاع أسعار السلع الاساسية التي استندت عليها نماذج التنمية في العديد من الدول النامية والاسواق الناشئة، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى تباطؤ معدلات نمو الدول ُمصدرة للسلع الأساسية.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الدونات: اعادة التفكير بالاقتصاد من جديد

وفي المقابل، يرافق هذه الثورة فرص اقتصادية نتيجة الزيادات غير المسبوقة في مستويات الإنتاجية والتنافسية نتيجة تطور مهارات القوى العاملة، وزيادة التراكم الرأسمالي والمعرفي، وانتشار أساليب الإنتاج الأكثر كفاءة واستدامة في انتاج السلع والخدمات عالية التقنية والجودة والأكثر ملائمة لأذواق وتفضيلات المستهلكين والأقل كلفة لمستويات المعروض من السلع والخدمات لتتواكب مع التغيرات السريعة.

بالتالي سيشهد العالم نمواً ملحوظاً لمستويات المعروض من السلع والخدمات لتتواكب مع التغييرات السريعة والمتلاحقة في أنماط الطلب، بما يؤدي إلى ارتفاع ملموس لمستويات الدخول والمعيشة لاسيما في الدول التي تتقن تلك الثورة حيث سيصاحبها أيضاً استخدام هذه التقنيات خاصة أن هناك تغييرات أفضل في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وخدمات البنية الاساسية والتحكم في إدارة المدن والمساكن الذكية.

اقرأ أيضاً: استشراف المستقبل

على الوجه الآخر، سيصاحب هذه الثورة صدمات كبيرة في أسواق العمل، فالتطورات التقنية المتسارعة وانتشار  الروبوتات سوف تؤثر بشكل كبير على الوظائف خلال السنوات المقبلة في ظل الإتجاه إلى أتمتة الاعمال التقليدية في قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين والوظائف المكتبية والحرفية، فيما ستنمو مستويات الطلب على العمالة في مجالات انتاج التقنيات والهندسة والرياضيات والعلوم والتحليل المنطقي والتفكير الابداعي وحل المشكلات

ونظراً لأن هذه الثورة تعتمد على المعرفة ورأس المال المستثمر في مجالات التقنيات والإبتكار والبحث والتطوير سينتج عنها زيادة في مستويات عدم العدالة في توزيع الدخول نظراً لارتفاع العائد على رأس المال المعرفي والتقني في مقابل تراجع العائد على العمل التقليدي والحرفي خاصة فيما يتعلق بالعمالة غير الماهرة والتي لا تمتلك فرص النفاذ للتعليم القائم على المعرفة والتقنيات المتطورة وهو ما يتوقع على ضوئه تزايد مستويات التفاوت في توزيع الدخول سواء على المستوى المحلي أو العالمي.

اقرأ أيضاً: ريادة الأعمال: المفهوم، والأهمية، ولماذا يصبح الناس رواد أعمال؟

ويجدر الإشارة الى أن الثورة الصناعية الرابعة بحاجة إلى الكثير من القيم الأخلاقية والقوانين والضوابط الحاكمة بعد أنْ أصبحت التكنولوجيا الحديثة سهلة وبمتناول الجميع، فإذا استخدمت لصالح الإنسان فهي أكثر من رائعة، ولكن الخوف في امتلاك هذه الأدوات والتكنولوجيا من قِبَل أشخاص خارجين عن القانون، وأنْ يتم استخدامها بطريقة مؤذية للإنسانية والبشرية.

اقرأ أيضاً: التنمية المستدامة- الجزء الأول

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021