اقتصاديو العرب

المملكة العربية السعودية

المملكة العربية السعودية بين التاريخ والحداثة

المملكة العربية السعودية بين التاريخ والحداثة

تمثل شبه الجزيرة العربية أصل نشأة وحضارة العرب، قبيل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وظهور آخر الرسالات السماوية الاسلام، فالجزيرة العربية هى موطن العرب، وأرض حضارتهم وتاريخهم و ثقافتهم.

وأصبحت المملكة العربية السعودية، الآن، تمثل الجزء الأكبر من الحدود الجغرافية والسياسية لشبه الجزيرة العربية، مما يؤكد أن المملكة هى أصل العرق العربي، وموطن حضارة العرب قبل الإسلام، ثم فضلها وكرمها واختارها الله تعالى لتكون موطن الإسلام، دين الله الحق، و موطن خاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وأرض الحرمين وبها بيت الله الحرام، و محضن جسد الرسول الشريف صلى الله عليه وسلم. 

وقد عرف العرب قديما الحضارة، في كثير من جوانب الحضارة الانسانية مثل اللغة والثقافة والشعر، وسمات الشرف والسؤدد والكرم، والنجدة والمروءة، وان غلبت عليهم الأمية، الإ أن العربي، قد حباه الله بقوة وسرعة الحفظ والبديهة، والذكاء الفطري وسرعة الاستدلال والاستنتاج، وقوة الحجة والبيان والفصاحة، والتحمل والشجاعة.

ولأن الله تعالى، بحكمته وعلمه المسبق، أعلم حيث يجعل رسالته، فقد كان اختيار الله لشبه الجزيرة العربية لتكون موطن الإسلام ومهبط الوحي، وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء، من أهل شبه الجزيرة العربية، ولغة القرآن الكريم، آخر اتصال بين السماء والأرض، وهي اللغة العربية، لدليل قاطع رباني، على تكريم وتشريف الله تعالى للأمة العربية، وعلى فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأهليتها لتحمل مسؤولية الإسلام ونشره، حيث أن الإسلام رسالة عالمية لجميع الأمم وجميع البشر، غير مختص بالأمة العربية التى نالت شرف الموطن والمسؤولية ونشر الإسلام. 

وفي حديث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ان الله اختار خلقه ،فاختار منهم آدم، ثم اختار بني آدم، فاختار منهم العرب، ثم اختارني من العرب، فلم أزل خيارا من خيار، ألا من أحب العرب، فبحبى أحبهم، ومن أبغض العرب،فببغضى أبغضهم “. رواه الطبرانى عن ابن عمر، وروى الترمذي مثله، وقال عنه حديث حسن .

ويشرف الجزيرة العربية بيت الله العتيق، أول بيت وضع للناس، رفع قواعده ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام، وهو جد العرب، والأب الروحي لكل المؤمنين كما جاء فى أشعياء ٥١: ٢، كما يعتبر إنجيل متى، وإنجيل لوقا المسيح عليه السلام من سلالته ويعتبره القرآن الكريم ” أبو الأنبياء”. 

وعرفت الجزيرة العربية عبر عصورها الطويلة أنواعا من الرسالات وأنبياء الله عليهم السلام …فكان هود في الأحقاف، وصالح فى ثمود، وشعيب فى مدين، أي انها موطن الأنبياء والرسل عبر التاريخ. 

ثم كان التكريم والتشريف الأعظم للجزيرة العربية، حيث اختارها الله تعالى موطن رسالة الاسلام ومهبط الوحي وتحمل مسؤولية نشر رسالة الاسلام العالمية لكل بقاع الأرض.

وكانت الجزيرة العربية على صلات وثيقة مع جيرانها، فقد كانت مكة أهم المراكز التجارية، واكتسبت مكانة دينية رفيعة عند جميع العرب لوجود بيت الله العتيق بها، واستغل القريشيون صلاتهم التجارية ومكانة مكة فازدهرت حركة التبادل التجاري والثقافي، ونظموا رحلات الشتاء إلى اليمن لشراء السلع، ورحلات الصيف إلى الشام لبيعها، وقد بلغت قافلتهم خمسمائة وألف بعير كما يروى الطبري. 

وماجت التيارات الدينية والثقافية في شبه الجزيرة العربية، فقد انتشرت اليهودية فى يثرب، والنصرانية في نجران، وعندما فشلت الفرس والروم فى السيطرة السياسية على شبه الجزيرة العربية، جعلت نفوذها فى صورة إمارة الحيرة على تخوم الفرس، وامارة الغساسنة على تخوم الروم، وكان لهاتين الاماراتين أثر كبير فى اثراء الحضارة العربية، وشهدت الجزيرة العربية أهم مراكز الحضارة العربية: مكة ويثرب (المدينة المنورة) و الطائف.

حضارة مكة

مكة …هي أهم مراكز الحضارة في الجزيرة العربية على الإطلاق، وسكنها الاسماعيليون او العدنانيون كما يسمونهم المؤرخون المسلمون، وكذلك قبائل جرهم و خزاعة والعماليق. 

ومن أسماء مكة: أم القرى، والبلد، والبلد الأمين، ويذكر البعض سبب  مكة لأنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم ، ويرجع البعض الآخر سبب التسمية إلى انها تقع بين جبلين مرتفعين عليها، وهي في هبطة بمنزلة المكوك.

ورغم وجود ” البيوت الحرام ” المتعددة في بلاد العرب ،مثل “بيت صنعاء” و” بيت الأقيصر” و” بيت نجران ” و ” بيت ذى الخلصة ” فقد تميز البيت العتيق بمكة بقداسة ومكانة خاصة عند العرب، واصبحت مكة أهم مركز ديني و تجاري و ثقافي لجميع العرب. 

المدينة المنورة

المدينة المنورة ” يثرب” هي ثاني مدن شبه الجزيرة العربية أهمية بعد مكة، وهي دار هجرة الرسول، وعزة ونصر الاسلام، وعاصمة أول دولة اسلامية، وشرفها الله تعالى بميزة لا تتطاول إليها أي مدينة فى العالم، وهي أنها تضم جثمان سيد الخلق أجمعين، خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جمعت المدينة و كما قال ” السمهودي” في كتابه “وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى” ست عشر فصلا عن فضائل المدينة، من طيب الهواء، وجودة التربة، وطيبة أهلها، واشتهرت بزراعة النخيل، وكانت من أهم المراكز الزراعية فى بلاد العرب، وكانت محطة تجارية على طريق القوافل التي تحمل الطيوب بين اليمن والشام. 

وكانت المدينة تسمى “يثرب” قبل هجرة الرسول إليها، وقد ذكرت فى الكتابات المعينية والسبئية، مما يشير إلى سكن هذه القبائل فيها، كما أشارت النصوص البابلية إلى يثرب منذ القرن السادس قبل الميلاد، في عهد الملك البابلي “نبونيد” الذي قام بحملة احتل فيها خيبر وتيماء ويثرب التي جاءت تحت اسم ” أتريبو”. 

كما جاءت يثرب في جغرافية بطليموس وعند المؤرخ الجغرافي “اصطفيانوس البيزنطي” تحت اسم “يثربة”، وقد ذكرها القرآن الكريم فى بعض الآيات باسم “المدينة” بعد هجرة الرسول إليها. 

ومن أسماء المدينة أيضا فى العصر الاسلامي: طيبة، طابة، دار الهجرة، العاصمة، القاصمة، المؤمنة، قرية الأنصار، سيدة البلدان، المحبوبة، المقدسة، المباركة، ذات الحرار، وأرض الهجرة.

الطائف

الطائف: تقع الطائف على بعد حوالى ٩٠ كيلو مترا من جنوب شرق مكة على جبل عزوان، وهو أبرد مكان بالحجاز، مما ميزها بجوها الطيب المعتدل فى الصيف، وكثرة ثمارها و شجرها، وأكثر ثمارها الأعناب والموز والزبيب والرمان. 

وقد عثر علماء الآثار على كتابات مدونة على صخورها وحولها، بعضها باللغة النبطية، وأخرى بالثمودية، و بعضها باللغة العربية، وكذلك كتابات تشبه اليونانية، مما يؤكد تنوع وقدم تاريخها وحضارتها، وقد سكن الطائف قبائل العماليق، وبنو عدوان من قيس بن عيلان، وبنو عامر، ثم قبيلة ثقيف العريقة الشهيرة. 

المملكة العربية السعودية الحديثة

من التاريخ العريق الديني والحضاري لشبه الجزيرة العربية، ومن تكريم وتفضيل الله لهذه البقعة من الأرض، وامتدادا للتشريف المقدس، والتاريخ المجيد، والسؤدد العريق، فقد حبا الله هذه البقعة المباركة من الأرض، في العصر الحديث بأسرة “آل  سعود ” التي جمعت كل جينات الشرف والمجد والسؤدد، والايمان والانتماء للاسلام والوطن والأمة، والاخلاص للدين وتراب الأرض والشعب، فكان بزوغ شمس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، لتواصل المملكة رحلة الانجازات على كافة الأصعدة: الدينية، والسياسية والاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، في دولة عصرية من أهم الدول على الصعيد العالمي، بصفتها مركز العالم العربي والاسلامي وقبلته، ودولة محورية فى السياسية العالمية بثوابتها التى تدعم الأمن والسلم العالمي، وقوتها الاقتصادية العالمية.

وتشهد المملكة، الآن، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، وولي عهده الأمين، الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي يمثل جيل الشباب، بفكره الثاقب وبصيرته الملهمة، وطموحه اللا متناهي، واخلاصه الذى ورثه عن الجدود والأباء، تشهد المملكة نهضة كبرى فى كافة المجالات، بعد الرؤية الطموحة الرائعة للأمير الطموح “رؤية ٢٠٣٠” والتى تنقل المملكة إلى مقدمة الدول المتقدمة فى كافة المجالات. 

ففي السياسة: يتميز قرار المملكة بالاستقلال والسيادة والإخلاص للارض والشعب والأمة العربية والإسلامية، وكذلك بعلاقاتها الطيبة متبادلة الاحترام بين كافة الدول، وبثقلها السياسي والاقتصادي. 

وفي المجال الاقتصادي: يحرص الأمير الطموح الشاب على تنويع مصادر الدخل القومي، وقد بدأ مشروعه العملاق ” نيوم ” في ٢٠١٧م. وهو من أضخم المشروعات فى العالم، وسيكون من أشهر واكبر المجمعات السياحية والاقتصادية فى العالم على امتداد ٢٦٠ كيلو متر شمال المملكة في بين تبوك وضباء. 

وفي الثقافة والفن والترفيه: تتبوأ المملكة الآن مكانة مميزة عالميا فى مجالات الثقافة والفن والسياحة و الرياضة، بعد الفكر الجديد للأمير الشاب، وجهود معالي المستشار تركي آل الشيخ، فقد اصبحت المملكة قبلة الفن والسياحة، واستقطاب نجوم كرة القدم العالميين، حتى اصبح دوري كرة القدم السعودي محط اهتمام وانظار العالم، وتشهد المملكة نهضة كبرى عظيمة، تؤكد الوجه الحضاري العريق، الذى تستمده المملكة من جذور حضارة الماضي، وهذه النهضة أبهرت العالم بالوجه الجميل المعتدل للمملكة، والتي تتمسك بثوابت الاسلام و تقاليده، في صورة جميلة لوجه الاسلام الوسطى المعتدل، الذي صدر للبشرية أعظم حضارة عرفها الانسان. 

حفظ الله المملكة العربية السعودية، عقيدة، وأرضا، وحكومة وشعباً.

بقلم: الدكتور مدحت العزب، كاتب مصري

1 فكرة عن “المملكة العربية السعودية بين التاريخ والحداثة”

  1. Pingback: المملكة العربية السعودية و النهضة الكبرى - اقتصاديو العرب

التعليقات مغلقة.