اقتصاديو العرب

ريان المغربي

الله والجميع والطفل ريان

منذ آمنت بالله حقاً.. انتبهت إلى أن الأحياء منا يعيشون بين الأحياء وبين الله.. والأموات يعيشون فقط عند الله.. آمنت وانتبهت إلى أن الحياة هي مجموع وجودنا بين بني جلدتنا وبين الله.. وأن الموت انتقال للعيش واقتصار وجودنا بين يدي الله فقط دون بني جلدتنا.. حيث نفارق الأرض ونصعد السماء بأرواحنا التي هبطت ونزلت منها في الأصل.. ونترك للأرض أجسامنا التي صُنعت من طينها في الأصل.. أي أن الموت يرجعنا إلى أصلنا مقسومين على مصدَرِينا الإثنين.. السماء والأرض.. الجثمان للأرض والروح للسماء.. فهل يجوز لي أن أتعزى حين يغيب أحدنا.. بأنه ذهب إلى حيث كان قد خلق وعند من خلقه..؟!

هل يجوز لي أن أعتقد أن الخالق ضمن طبيعية ارادته واطلاقها يأخذ من يريد أن يأخذ دون استشارتنا ” ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض “؟! .. أقول هذا فقط لألفت النظر إلى أن الطفل المغربي ريان.. رحل وسط احتفالية ومهرجان فلسفي عميق.. خلاله اجتمعت الكرة الأرضية كلها تطالب الله به حياً.. ودخلنا مع الله في موجات مندفعة متلاحقة من الأمل والرجاء والعتاب وبعضنا في سخط وتعجب وحرج مع الإرادة الإلهية.. كلنا وعلى مدار أكثر من ستين ساعة.. لم نبق دعاءً ولا حسن ظن بالله إلا مارسنا شيئا منه.. مترجمين حبنا لهذا الطفل بهذه الكيفية.. بينما كان إله هذا الطفل يحبه بطريقته هو.. يميته ليأخذه.. كعادة إرادته يميته ليستدعي روحه للسماوات التي نؤمن أنه يسكنها.

لو كان ريان عاش كنا سنشترك مع الله في الحضور في حياته ولله الحضور الأعظم والمطلق.. ولو كان مات وقد حدث.. فإن الطفل صار ملكاً خالصاً لله وفي ذلك أمان مطلق وأعلى بكثير من وجوده بيننا.. لكن رغم ذلك.. لن يكون الموت خيراً يوماً.. والحياة لن تكون شراً نحمد الله على الخلاص منها.. لا يمكن قول هذا نهائياً.. إنما الثقة في فعل الله وتوزيعه لنا بين الحياة والموت هي الخير.. إرادة الله وقدره حين يحيى أو يميت أو حتى يعلقنا بين الحياة والموت.. والثقة به والإنصياع للنتائج أمر بالغ الصعوبة علينا كبشر مجردين.. لكنه سهل ومعقول ومستوعب في كنف الإيمان والروحانية.

رحم الله ريان.. ولا تثريب عليه.. ” لا كرب على أبيكِ بعد اليوم يا فاطمة.. -قالها النبي وهو يحتضر- “. حديث شريف.. هذا ليس ميكانزم دفاع من نوع تسامي أو تأسي أو تروحن إزاء كارثة.. إنما هو ما يمليه الإيمان.. وإنا لله وريان لله .. وإنا إليه راجعون.. سيكون أمامنا ويظل وراءنا وفينا.. أن ندرس ما حدث لهذا الطفل المغربي.. ونخرج بتشخيصات دقيقة حول من المسؤول الدنيوي عن فقده لحياته.. بل ونستثير كل ما يتعلق بحقوق الطفل في الحماية والتربية والصون والمحافظة عليه.. ومراجعة الحكومة ودور الإعلام وضخامة مسؤولية أهله.. هذا مقدس لئلا يفلت الجاني والمجرم المسؤول.. ولئلا تتكرر الحادثة..

سيظل مهماً أن تتحول قصة هذا الطفل لتؤسس نضالاً من نوع خاص ينبني عليها كواقعة تاريخية تأسيسية لنزعة تربوية وحقوقية لصالح الطفل.. وكل هذا هو سقفنا.. أما في الأول والأخير فإن الله هو الأول والآخر .. وريان أحد عيال الله.. والله أحن عليه من أمه.. لكن حنان الله غيب.. غيب لا يعلمه سواه أو من أراد.. وإلا فإن كل حسبة إنسانية مجردة.. لن تنتهي بإعتبار الموت حنانا.

مودتي للجميع

معين شلولة- كاتب وصحفي فلسطيني

اقرأ أيضاً: الصبر وفلسفته وماذا يريد الله منا!

اقرأ أيضاً: الضمير الحي بين الله والانسان

اقرأ أيضاً: قصة حي بن يقظان

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021