اقتصاديو العرب

موقع اقتصاديو العرب

الاقتصاد التشاركي: من عالم الامتلاك إلى عالم التشارك

أعاد الاقتصاد التشاركي تحديد الطريقة التي نفكر بها في الخدمات والممتلكات، مما خلق نموذجاً اقتصادياً جديداً يركز على المشاركة بدلاً من الملكية، وأصبح الاقتصاد التشاركي جزءاً بارزًا من المجتمع في جميع أنحاء العالم، بدءاً من بيع وشراء السلع المستعملة، إلى تأجير الغرف الفارغة إلى المشاركة في رحلة بالمركبة، وبذلك بدأ الناس في الابتعاد عن العناصر التقليدية نحو وسائل أكثر ابتكارًا تدور حول مفهوم “المشاركة”.

بغض النظر عن تنوع المصطلحات أو التعريفات فإن الاقتصاد التشاركي يمكن تعريفه بأنه نظام اقتصادي يقوم على مشاركة الأصول والخدمات والمهارات بين مختلف الأفراد والمنشآت التجارية، وهو نظام يقوم على تجميع وتبادل الخدمات والموارد والسلع والوقت والمعرفة والمهارات مما يسمح للأفراد والمنشآت بتحقيق ايرادات من خلال استغلال الأصول غير المستخدمة وعليه فإن جوهر الاقتصاد التشاركي يستند على المشاركة في الاستخدام وهي أهم من الامتلاك أو الحيازة.

وتتشابه فكره نظام الاقتصاد التشاركي إلى حد كبير من نظام المقايضة القديم بين الأفراد، إلا أن ادخال التكنولوجيا الحديثة واعتماده عليها وإجراء العملية التبادلية عبر منصات إلكترونية  جعلت منه نظاماً جديداً فى العديد من دول العالم.

وكلمة السر لنجاح هذا النظام هو الكفاءة إذ أن الاقتصاد التشاركى يستند الى فكرة الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لدى الأفراد، من خلال تقاسم الخدمات والأصول بين الناس، وتحفيزهم على الحصول على مداخيل إضافية، عبر وسائل ابتكارية، تعزز مفهوم التوجه نحو مبدأ التنويع الاقتصادي، والتخفيف من التحديات الاقتصادية كالفقر والبطالة.

هناك العديد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت وساهمت بشكل كبير في انتشار ونجاح الاقتصاد التشاركي ومنها:

-انتشار المنصات والاجهزة الرقمية المتطورة.

-الجهود المبذولة لاستغلال الموارد المادية المتاحة بشكل أكثر كفاءة وتفعيل الرشد الاقتصادي.

-احتياجات المستهلكين الجديدة وتغير نظرتهم الخاصة بالملكية والخيارات الاستهلاكية الصديقة للبيئة.

-التغيرات الاجتماعية مثل العولمة والمدنية.

-الاستفادة من ميزة انخفاض التكاليف الناتجة عن وفورات الحجم، فالشركات العالمية التي تدخل الى الاسواق المحلية تتمتع بميزة انخفاض التكاليف الثابتة للخدمات التي يقدمونها مقارنة مع نظرائهم المحليين مما يسمح لهم بالتوسع بسرعة كبيرة حيث لا يتطلب اقتحام أي سوق جديد سوى تكاليف قليلة بالنسبة لهم.

أما الشركات العاملة وفق نموذج الاقتصاد التشاركي، فتتميز بمجموعة من الخصائص الرئيسية ومنها:

-تقوم هذا الشركات على مبدأ المشاركة: وفيها يتشارك المشاركون مواردهم، والتي قد تكون أصولًا أو خدمات مادية، مع بعضهم البعض على المدى الزمني القصير أو الطويل.

-يعرض المشاركون قدراتهم ومواردهم المعطلة مثل الأصول الثابتة والخدمات  للبيع أو المشاركة مع الاخرين.

-تكون الخدمات على أساس الطلب وعند ظهور الحاجة الاستهلاكية وعادة عبر منصات تكنولوجيا المعلومات، وبمقابل تلك الموارد المستخدمة يحتاج المستهلكون فقط الى دفع مبلغ يتناسب مع قيمة استخدامهم.

-تتم عملية المشاركة على اساس الثقة وإعطاء أهمية للتفاعل الشخصي وتجربة المجتمع

-تهدف مبادرات الاقتصاد التشاركي الى تحقيق الاستدامة وذلك بدلاً من شراء منتجات جديدة ، يفضل المشاركون مشاركة أصولهم المعطلة مع بعضهم البعض كوسيلة لتوفير التكاليف وزيادة العمر الإنتاجي للمنتجات الفردية وتقليل مدى التلوث البيئي الناتج عن شراء منتجات جديدة.

ويتم التمييز بين شركات الاقتصاد التشاركي من حيث الأطراف المشاركة في التبادل أو المعاملة، أي بين نماذج الأعمال من المستهلك إلى المستهلك consumer-to-consumer (C2C) أو نماذج الأعمال من الشركة للمستهلك     Business-to-Consumer (B2B) ، ففي الحالة الأولى، يتم الجمع بين مقدمي الخدمات والمستخدمين من خلال وساطة شركة مستقلة عنهم وذلك بواسطة المنصات الالكترونية التي توفرها، أما في الحالة الثانية فيتم يتم الجمع بين مقدمي الخدمات وقناة الوساطة ، بحيث يحصل المستخدمون على الموارد التي يحتاجون إليها من أجل تلبية متطلباتهم الخاصة من شركة واحدة  عبر المنصة الالكترونية الخاصة بها.

وبرزت على الساحة العالمية والعربية العديد من الشركات التي تعتمد نموذج الاقتصاد التشاركي كنموذج اعمال لها منها اوبر Uber وكريم Careem وايربنب  Airbnb وخمسات khamsat و upwork ومستقل mostaql وغيرها الكثير من الشركات التي تساهم في تعزيز العديد من القيم الخاصة بالتوجه نحو تقاسم الخدمات والأصول بين الناس، وتحفيزهم على الحصول على مداخيل إضافية، وتشجيع مفهوم التوجه نحو مبدأ التنويع الاقتصادي، والتخفيف من التحديات الاقتصادية كالفقر والبطالة.

ويواجه الاقتصاد التشاركي عدد من التحديات منها ما تتعلق بسياسة حماية المستهلك وزيادة ثقتهم خصوصا بالمنصات الالكترونية، ومنها ما يتعلق بمعارضة المنافسين لاقتحام الاقتصاد التشاركي لا سيما اولئك الذين يدفعون مقابل الحصول عى ترخيص لممارسة اعمالهم بالطرق التقليدية، وتلك الأمور تحتاج لقرارات من قبل صناع السياسات والقوانين الوطنية والدولية، فالمستهلكون بحاجة الى بيئة آمنة وتشريعات وقوانين توفر لهم الثقة والحماية في الاقتصاد التشاركي، كذلك الاسواق بحاجة لايجاد بيئة عمل تشريعية تنافسية لجميع نماذج الاعمال وبما يضمن تكافؤ الفرص للجميع.