اقتصاديو العرب

فيروس كورونا

فيروس كورونا بين الحقيقة الكارثية والنظرة التفاؤلية

قد يقول الناس، في مجملهم، إن كل ما يعتري الإنسان من اعتلالات واختلالات جسدية كلها شر وليست فيها مثقال ذرة من الخير، وعليه فإن الناس يرون في فيروس كورونا (Covid19) الشر كل الشر ولا يرون فيه أي مظهر أو جانب إيجابي، فهم يسردون لك ما حاق بهم من كوارث وما حل بهم مصائب بسبب هذا الفيروس اللعين الذي شل حركة الاقتصاد العالمي وكاد أن يصيبها في مقتل، لو لا وجود الكثير من التدابير والاحتياطات التي تحصن الأنظمة المالية والأنشطة الاقتصادية، والعالم كله اليوم يكافح ويناضل من أجل القضاء على هذا الفيروس أو، على الأقل، الحد من انتشاره وتقليل عدد الإصابات والوفيات الناجمة عنه.

اقرأ أيضاً:  الاقتصاد العالمي وكورونا: الرابحون والخاسرون

لقد أرجفت النفوس وأوجفت هلعًا من هذا القاتل المجهري، الذي لا يرى بالعين ومع ذلك فتك ولا يزال يفتك بالألوف والألوف من النفوس التي حق لها أن ترتاع ويصيبها الخوف والوجل مما تشهده من قوة هذا الفيروس .. ولعل الصدمة النفسية وخشية الموت والتعلق بالحياة .. وغيرها من المبررات هو ما ساق الناس إلى ما هم فيه من رعب كاد يبلغ حد الفوبيا (Phobia). والفوبيا هو اضطراب نفسي يكون فيه حجم الرعب أكبر وأعظم من سبب الخوف نفسه؛ الأمر الذي يجعل المريض في حالة من الرعب الشديد الذي يشل تفكيره تمامًا. وهذا هو حال الكثيرين، إن لم يكن الكل، في العالم ممن أصيبوا بالشلل الذهني والعطب الفكري، فلم يعودوا ينظرون إلا إلى النصف الفارغ من الكوب، وما فيه من الكوارث والمصائب، أما الجانب الآخر والنصف الممتلئ من الكوب فهو محجوب عن أنظارهم لأنهم عطلوا عقولهم وتوقفوا عند نقطة البداية التي لم يتمكنوا من تجاوزها بعد أن قيدوا أنفسهم وكبلوا أدمغتهم بسلاسل الخوف والرعب.

والسؤال، الذي يطفو إلى السطح، هو: لماذا لا نتوقف عن الركض ونلتقط أنفاسنا لنتأمل فيروس كورونا وننظر إلى ما فيه من جوانب إيجابية؟.
وربما يتساءل الكثيرون، فضلاً عن الجميع، وهل في الأمراض والعلل التي تصيب الإنسان من إيجابيات؟.
والإجابة بكل اعتداد وتأكيد هي، بلى وألف ألف بلى، أي نعم.

في البدء لابد وأن نضع نصب أعيننا الملاحظة التالية وهي: إن البشر أكثر الكائنات اهتمامًا بالرعاية الصحية، ويتجلى ذلك، وبوضوح شديد، في الاهتمام الزائد بالنظافة العامة والخاصة وكثرة المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة بكثرة في أرجاء المعمورة، وبرغم كل ذلك نجد أن الإنسان هو أكثر الكائنات اصابة بالفيروسات والبكتريا .. المسببة للعلل والأمراض العضوية والجسدية. أليس في ذلك ما يدعو إلى الدهشة ويثير الريبة والاستغراب ويستدعي الوقوف عنده؟!!! كما يعد الإنسان هو العدو الأول، فضلاً عن أنه الأوحد، للطبيعة.
ولكنه، برغم ذلك، هو الوحيد الذي يسعى وبكل جد من أجل إيجاد الحلول الناجعة للكثير من المعضلات التي تعترض مثيرة الإنسانية وتقدمها الحضاري؛ من هذا الباب على الإنسان أن يبتعد عن التشاؤم ويزيل عن عينيه غشاوة النظرة السوداوية وقتامة اليأس، وأن يتحلى بالنظر العقلي والتفكير الإيجابي؛ حتى يتمكن من رؤية النصف المملوء بالأمل والتفاؤل من الكوب. إن فيروس كورونا ليست كله شر، كما يراه الناس، وإنما يحمل في طياته ولفائفه الكثير من بذور المعرفة العلمية التي يمكن للبشرية أن تفيد من خيرها وتنعم بشئ، غير قليل، من فوائدها، نورد هنا ما خطر على البال منها:

  • الوقت: إن كان الناس، قبل ظهور فيروس كورونا، يشكون عدم توفر الوقت الكافي لإنجاز مهامهم، فقد وفر لهم هذا الفيروس، الآن، الكثير من الوقت المهدر للاستفادة منه في حياتهم العملية والعلمية بل والتفكير في مشاريع أعظم وإنجازات أضخم. كما توفرت للأجساد المنهكة والمكدودة أسباب الراحة والدعة الجثمانية بعد أن كانت تشكو التعب وقلة ساعات النوم والراحة؛ يقول المتنبئ.
    وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً * تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
  • التقدم العلمي: ساهم، ظهور فيروس كورونا، في تسريع عجلة التقدم التقني والبحث العلمي والمعرفي، والذي عاد على الإنسانية بخدمات عظيمة وجليلة، تمثلت في الاستفادة من: ما نشهده من طفرة طبية في مضمار صناعة العقاقير، خاصة، والصحة والعلاجات بشكل عام. وبجانب ذلك هناك الخدمات العظيمة للشبكة العنكبوتية وما وفرته للعالم من ترابط، برغم مما أصاب حركة النقل من البطء الذي كاد يبلغ حد الشلل والتوقف؛ ولكن برغم ذلك فإن تطبيق زووم (Zoom) قد حقق الكثير من الأرباح المالية والمكاسب المادية، من خلا منجزاته في مضمار التواصل التقني.
  • الأسرة: المتأمل في السياسات الإغلاقية وعمليات العزل والحجر الصحي التي تم تطبيقها، في الكثير من المجتمعات، يمكنه أن يرى، وبوضوح، مدى تأثيرها الفعال في ما أحدثته من تقارب وتفاعل أسري، يمكن أن نلمحه في قضاء أفراد الأسرة الكثير من الوقت بصحبة بعضهم، لاسيما الآباء، كما يتبين ذلك في ازدياد أعداد المواليد.
  • الصفاء الذهني: لقد ساعد ظهور فيروس كورونا في التقليل من الأنشطة الحركية للجسم، بشكل كبير، الأمر الذي انعكس بصورة إيجابية على العقل وما يفرزه من أنشطة ذهنية وفكرية .. يمكن أن تتولد عنها العديد من المشاريع العلمية والأفكار الابداعية الفكرية والأعمال الأدبية والثقافية .. وغيرها من المشروعات العظيمة التي ربما كانت حبيسة الأدراج والتي لم يتوفر لها الكثير من الوقت لإنجاوها قبل ظهور فيروس كورونا، وقد نشهدها في المستقبل القريب.
  • الصفاء الروحي: ليست من شك في أن فيروس كورونا قد زاد من ساعات الهدوء الليلي والنهاري، لاسيما بعد تقليل ساعات العمل؛ الأمر الذي أتاح ويتيح للنساك والعباد وجميع عشاق هدأة الليل وسكونه الفرصة للتأمل والتفكر والتعبد والذكر .. يقول ابن الفارض:
    رُوحي لكَ يا زائرُ في اللّيْلِ فِدَا * يا مُؤْنِسَ وَحْشَتِي إذا اللّيْلُ هدى
    إنْ كانَ فِرَاقُنا مع الصُبْحِ بَدَا * لا أسفَرَ بَعْدَ ذَاكَ صُبْحٌ أبدا
  • وسائل الإعلام: من المؤكد أن فيروس كورونا قد كان له أثره الإيجابي على جميع الوسائل الإعلامية من، صحافة وإذاعة وتلفاز .. وحتى مواقع التواصل الاجتماعي من مستخدمي الشبكة العنكبوتية؛ حيث تزايدت أعداد قراء الصحف والمجلات والكتب، وتكاثرت جموع المستمعين والمشاهدين من متبابعي المحطات الإذاعية والتلفزيونية، ويتبين ذلك من خلال ازدياد حجم الإشتراكات والإيرادات والتدفقات المالية المنهمرة على شبكات الاتصالات المحلية والعالمية.
  • العقل البشري: يعد العقل البشري (المفكر) هو الرابح الأكبر في هذه المعمعة الكبرى، والمستفيد الأول من هذه الهدنة الجسدية والراحة النفسية التي جاءته على طبق من ذهب، ولا أحسب أنه سيفلتها من بين يديه بعد أن ظفر بها، إذ إن القل البشري يكون أكثر نشاطًا وأشد توقدًا في أوقات الأزمات، ويشهد بهذا تعدد اللقاحات والعقاقير العلاجية التي انتجت، في فترة وجيزة، للقضاء على الفيروس. ولا يزال العقل البشري يعد بالمزيد من الأفكار العظيمة ولديه الكثير من الطاقة الخلاقة.
  • التعليم: كانت النظرة للتعلم عن بعد (التعليم بالمراسلة) نظرة دونية وسلبية، وربما غير مرحب ولا معترف به لدى الكثيرين؛ ولكن التعليم عن بعد، في ظل انتشار فيروس كورونا، أصبح من الضروريات والمتطلبات الحياتية من أجل الحفاظ على الصحة، والحد من انتشار العدوى ومحاربة هذا الفيروس؛ الأمر الذي أسهم في تطوير مفهوم التعليم عن بعد وازديا أعداد المقبلين عليه كما وجد القبول والاستحسان من الكثيرين.
  • التفاؤل والأمل: يعد اليأس وفقدان الأمل من أعدى أعداء النفس البشرية؛ ولذلك إنّا لعلى يقين تام من أن العقل البشري سيتمكن من القضاء على فيروس كورونا وغيره من الفيروسات وسيهزمها شر هزيمة، يحدونا إلى هذا القول الكثير من الأمل الروحي والتفاؤل النفسي، بالرغم من عدم فاعلية تلكم اللقاحات التي فشلت في تحقيق الشئ المأمول من الطموح والآمال التي كانت معقودة عليها، وليست من شك في أن سبب الفشل هو التعجل إلى الشهرة والشغف بالمال.

غير أننا لا زلنا نتمسك بخيوط الأمل ونثق في قدرات العقل البشري الذي طالما أنجز العديد من المهام الكبرى وحقق كثيرًا من المعجزات البشرية.
تمثل هذه العجالة لمحة اقتنصناها على عجل وهي قيض من فيض إيجابيات فيروس كورونا المستجد وما نجم عنه من تحورات وتطورات لا زالت تترى على البشرية وتحصد ما يمكنها أن تحصده من أرواح .. حتى يتمكن العقل البشري من التوصل إلى علاج ناجع يقضي على هذا الفيروس، والآمال والأحلام الوردية لا زالت تداعب أجفان الإنساية، وعيون العالم معلقة بأهل العلم ومعقودة بنواصي الفحول من علماء العالم وبخبراتهم العلمية، والرجاء لم ينقطع عن بلوغ تلكم الآمال.

اقرأ أيضاً: استشراف المستقبل

اقرأ أيضاً: اقتصادالمعرفة

 

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021