اقتصاديو العرب

تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

الاقتصاد المخطط هو نوع من أنواع الانظمة الاقتصادية التي يكون الإنتاج والتوزيع والاستثمار السلع والخدمات بيد السلطة الحاكمة في الدولة، بالإضافة الى تحديد الأسعار، على عكس الاقتصاد الرأسمالي الذي تتولى فيه الشركات الخاصة عمليات الإنتاج والتوزيع والإستثمار.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الريعي والدولة الريعية….أيهما يولد الآخر

اقرأ أيضاً: الاقتصاد الدائري والابتعاد عن الاقتصاد الخطي


اقتصاد الدولة داخل هذا النظام يكون مخططاً بشكل مُفصل ومُدار من قبل الحكومة، حيث إن غالبية الشعب عليه أن يعمل لدى الدولة سواءً أكان فلاحاً أم عامل بناء أم تاجراً، يتم عادةً التخطيط سنوياً أو لكل 5 سنوات أو أكثر حسب الزمن المستغرق لإنجاز المهام، إلا إن الأشياء المتقلبة والمرنة وكذلك سريعة الإنتاج يتم التعامل معها يومياً أو اسبوعيا أو شهرياً بشكل دوري. مثلاً، التخطيط للزراعة يكون سنوياً عادةً، أما التخطيط لإنتاج السيارات على سبيل المثال هو شهري بدلاً من السنوي.
يرتبط الاقتصاد المخطط ارتباطاً صريحاً بالمذهب الشيوعي والاشتراكية، لتوافق اُسسهما مع بعضهما، ولتبني الدول الشيوعية والاشتراكية له من أجل السيطرة على وسائل الانتاج، إلا إن تاريخ هذا النظام الاقتصادي يرجع إلى أقدم منهما.
بداية الاقتصاد المخطط بدأت مع تطور الحضارات ونشوء الطبقة الحاكمة التي أرادت تنظيم منتجات المدينة وحمايتها من التقلبات والتحكم بها في حالات الحاجة، وهذه الحالات الحرجة كانت تتمثل بالحروب “العظيمة” التي تطلبت أعداد هائلة من المعدات والاغذية والمتطلبات الاساسية. الحروب – كانت شائعة بالمناسبة – دفعت الملوك والأمراء الى ارغام الفلاحين والحدادين وعمال البناء وغيرهم لتوفير السلع والخدمات العسكرية اللازمة للفوز في الحرب.
إلا إن هذه الممالك والامبراطوريات كانت تدار في اوقات الراحة بنظام اقتصادي حُر، والأموال الضريبية اعتنت بالحروب الصغيرة، ودفع الملوك المال للعمال والفلاحون مقابل عملهم في ذلك الحين (بالرغم من أن الأموال المدفوعة كانت أقل من المتوقع).
تبنى العالم منذ زمن ولادة المسيح حتى القرن التاسع عشر نظاماً اقتصادياً مكوناً من مزيج من الاقتصاد الرأسمالي (أو ما يسمى باقتصاد السوق) والاقتصاد المخطط، وهذه الفكرة كانت ناجحة كفاية لتنجو حتى عصرنا هذا، فإن غالبية الدول والمنظمات العالمية في القرن الواحد والعشرين تمتلك اقتصاداً مخططاً رئيسياً بالإضافة الى كون نظامها العام رأسمالي، وأن معظم السياسات الموضوعة من قبل الحكومة تنعكس أثرها بشكل مباشر أو غير مباشر على اقتصاد الدولة.
ما بعد القرن التاسع عشر، وتحديداً في سنة 1921، قام الاتحاد السوفيتي بتأسيس مؤسسة غوسبلان التي كانت وظيفتها إنشاء وإدارة سلسلة من الخطط الخمسية مصممة في البداية لزيادة الإنتاج والوصول الى التصنيع المتطور وتحقيق الإكتفاء الذاتي، وسُميت بالخطط الخمسية لأنها اهداف وخطط اقتصادية وضعتْ لتحقيقها في خمس سنوات.
من بين 13 خطة خمسية، نجحت فقط 3 منها، ويعود السبب في ذلك الى المشاكل الداخلية داخل الاتحاد السوفيتي وكذلك الحرب العالمية الثانية التي قطعت الخطة الخمسية الثالثة في عام 1941، وكانت هناك أسباب أخرى لفشل الخطط الخمسية ما بعد حرب العالمية الثانية، منها الفساد الإداري والتصويب نحو أهداف غير واقعية أو عدم القدرة على تغيير أهداف الخطط الخمسية حال اكتشاف تكنلوجيات جديدة (أي إن الخطط لم تكن مرنة ومتماشية مع سرعة تغير التقنيات في السوق).
مع تطور الأتمتة والحاسبات الالكترونية في السبعينات، قدم الرئيس التشيلي سلفادور الليندي، مقترحاً بجعل الاقتصاد المخطط مُداراً من خلال الحواسيب التي يمكنها التحقق من فعالية المعامل وأداء الشركات أسرع من الانسان، والقيام بإحصاءيات المواد الخامة المستخدمة وسرعة الإنتاج ومن ثم التفاعل مع نتائجها وضبط متقلباتها. من شأن هذا التحول أن يجعل الاقتصاد أكثر مرونة وأسرع استجابة وأقل فساداً من النظام الاقتصادي المخطط من قبل البشر. المشروع الذي سمي بـ المشروع سايبرسين كان مؤملاً له بالنجاح الباهر، إلا إنه هُجر بعد الانقلاب في عام 1973.

اقرأ أيضاً: البيانات الضخمة وواقعها في البلاد العربية


هناك العديد من المؤلفين وخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن العالم متجه نحو الاقتصاد المخطط، حيث لا توجد مساحة بعد الآن لعدم التخطيط مع الكم الهائل من المعلومات التي يمكن تحليلها والاستفادة منها في التنبؤ بالمستقبل والتغيرات الآتية معه. الشركات الخاصة تعتمد الآن في تخطيطها للمستقبل على جمع المعلومات من الزبائن ومحاولة فهم عادتهم الشرائية، وتقوم حتى بعض الأسواق التجارية في الولايات المتحدة باستخدام البرامج الإلكترونية لطلب المواد الناقصة في المحل مباشرةً من المعامل من دون اللجوء الى التعداد اليدوي. كذلك هناك عدة برامج أخرى وظيفتها التنبؤ بصعود وهبوط أسعار الاسهم في البورصات العالمية، وبيع أو شراء سهم الزبون حسب مؤشر معين.
الاقتصاد المخطط هو بالفعل نظام أكثر تطورأً من الأنظمة الاقتصادية الأخرى، وخصوصاً من الاقتصاد الرأسمالي. لم تعد الأهداف الاقتصادية المعاصرة سهلة التحقيق كما كانت من قبل، السيطرة على التغير المناخي مثلاً تتطلب خطط اقتصادية طموحة وعلى نطاق شامل من أجل التخفيض من معدلات درجات حرارة الارض عن طريق التقليل من استهلاك الوقود الاحفوري وكسر الاقتصاد الأسود المتداول.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الدونات: إعادة التفكير بالاقتصاد من جديد

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021