اقتصاديو العرب

العدالة الضريبية

الضريبة بين الإتاوة والعدالة

عندما نسمع ما يتناقله الأفراد من فهم خاطئ للمفهوم الاجتماعي، وننظر إلى ما وضعه أحد الليبراليين كشعار أثناء دفاعه عن التلاحم الإجتماعي بقوله: “إنني أؤمن بالعدالة، ولكني سأدافع عن أمي قبل دفاعي عن العدالة” فإني أعتقد وبشكل كبير أن فكرة العدالة الضريبية، أو حتى مفهوم العدالة الضريبية، أو على أقل تقدير تلازم فكرتي العدالة والضريبة لن تراود أحد. بل حتى أن البعض أخذ يسوق لها على أنها عبئاً ثقيلاً على كاهل الجميع بمن فيهم أصحاب الثروات وسبل الرفاهية، متقاربين في تسويقهم هذا مع الفكرة القديمة التي شبهت منفذ السياسة الضريبية بالقرنين السادس والسابع عشر بالذي يستطيع أن ينتف ريش الإوزة وهي حية بدون أن يخرج دماؤها أو حتى يجعلها تصرخ، متناسين في الوقت نفسه أن الضريبة بالنسبة للدول كالغذاء بالنسبة للإنسان، وأن أحد أبرز أركانها هو العدالة.

لذلك سوف نورد رؤيتنا لمفهوم العدالة الضريبية على اعتبار أن العدالة المطلقة للإله جلًّ وعلا، أما بالنسبة للأفراد فهي أمر نسبي يختلف بين فرد وأخر وتقترن بالقوانين الوضعية وتصب في الغالب في ضوء المنفعة المتحققة و القناعة والمقدرة على الدفع.

اقرأ أيضاً: تعريف السوق هيكل السوق وأشكال السوق وتحليلها

اقرأ أيضاً: اقتصاد الظل: ما بين اخفاء الحسابات واخفاء الجرائم

مفهوم الضريبة

فريضة نقدية تضامنية، تفرضها الدولة على رعاياها أو من في حكمهم، باعتبارهم أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين، وتقوم بجبايتها بصورة نهائية ومباشرة، لتستخدمها في تغطية نفقاتها وأعبائها، وإتباع سياسة منهجية معينة.

مفهوم العدالة الضريبية

يعتقد البعض أن مفهوم العدالة الضريبية يتعلق بالطبيعة الاجتماعية لهذه الضريبة، وما تحمله في طياتها من علاقات بين الفقراءِ والأغنياءِ في تعاملهم مع الدولة، دون الإهتمام لما يتميز به من انعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة، فتحقيقه كان السبب الأول لقيام معظم الثورات في العالم، حيث َعرِفَهُ القدماء في علاقاتهم المالية، وشكلت الزكاة الأساس المنهجي السليم لتطبيقه، وبرز في مؤلفات الأستاذ “جونان” عام 1766 عندما حدد ستة قواعد أساسية للضريبة، ولدى “آدم سميث” فيما يُعرف بالقواعد الأربعة للضريبة، والتي يقرها معظم الباحثين الآن، وشكل الدافع الأساسي والأكبر لقيام الثورة الفرنسية، ورغم التشديد والتركيز على تحقيقه، إلا أنه لم يتحقق بالشكل الذي يرضى عنه الجميع، إما لعدم القدرة على اعتماد مقياس ثابت يحدد مقدار المنفعة أو القدرة على الدفع الذي يقوم عليه هذا المفهوم، أو لعدم مواكبة الأنظمة الضريبية والقوانين وملاءمتها لقاعدة العدالة، لعدم وضوح الفكرة بالشكل الذي يسمح معه بتحقيقها.

وقد اختلف مدلول العدالة الضريبية باختلاف مراحل تطور الدولة من مرحلة الأمن المطلق إلى دور الإنتقال، كما اختلف أيضاً بحسب الغاية التي تبرر الحصول على كميات كبيرة من الدخل يُعتقد بأنها عادلة، حيث: (استخدمت النمسا وهولندا وبريطانيا الضرائب على الدخل في وقت مبكر لتمويل الحرب ضد نابليون، وخفضت رسوم الاستيراد على الحبوب والزبدة والجبن لتهدئة الاضطراب بين سكان المدن).

فالعدالة الضريبية كمفهوم هي: اصطلاح نسبي، يتعلق بالنظام القائم ويختلف باختلاف الظروف والعوامل المحيطة بالعمل به.

أما كمبدأ فهي: التوزيع العادل والمتساوي لمقدار مساهمة الأفراد في تغطية موارد الدولة من الضرائب والرسوم المفروضة تبعاً لما يحققونه من منافع، على ضوء مقدرتهم على الدفع من أجل تحقيق أهداف وسياسات الدولة.

اقرأ أيضاً: معايير المحاسبة والابلاغ المالي الدولية

أسس العدالة الضريبية

تطبيق مبدأ المنفعة

المنفعة هي: قدرة السلعة أو الخدمة على إشباع حاجة ما يحس بها الإنسان في لحظة معينة وفي ظروف محددة، وهي تعبير عن الأفضلية بين الأشخاص، مع مراعاة أنه ليس بالضرورة أن يحصل دافع الضريبة على خدمة معينة يكون قد دفع من أجلها تحديداً، فعلى سبيل المثال عندما يدخل الفرد إلى المدرسة ليتعلم في مرحلة التعليم الأساسي، فإن المستفيدين سوف يكونون كثراً، الفرد والأهل ومعامل الورق والمطابع ومعامل الأقلام والمدرسون وغيرهم، ومع تزايد عمر الفرد وانتقاله من مرحلة لأخرى، يتغير المستفيدون، وعند دخوله ميدان العمل، فإن المجتمع كله يستفيد -على الأقل- من وجود عنصر مثقف ومتعلم يدير أموره بدلاً من آخر جاهل، فلو عمل طبيب، وساهم باكتشاف علاج لمرض خطير ((مثل: كورونا -كوفيد))، فإن المنفعة تصيب شعوب العالم جميعها، إذاً المنفعة المتحققة نسبية بين الجميع، وعلى أساسها يتم فرض الضرائب، مع الإشارة إلى أن تحديد نسبة الانتفاع من هذه السلعة، تتعلق بمدى الإقبال عليها، وبالعرض والطلب والقرار السياسي الذي تخضع له، كما تتعلق في بعض الأحيان بقيمة ما يتحمله المجتمع من أضرار نتيجة تأمين هذه السلعة.

مبدأ المقدرة على الدفع

يقوم هذا المبدأ على أن يدفع كل فرد الضريبة بما يتناسب مع إمكاناته على الدفع، سواء حقق الفرد منفعة أو لم يحقق ما دام يستطيع، فمن يكسب أكثر، ينبغي أن يدفع أكثر، وهنا قد يُعتمد معيار الدخل أو الثروة أو التضحية والمعاناة أو جميع هذه المؤشرات، ونورد المثال التالي: فلو نظرنا إلى الشخص الذي يملك سيارة موديل 2000 ولم يقم شركتها بتطوير أجيال لاحقة منها، فإنه يشعر بأنه أفقر حالاً (في الغالب) من قرينه الذي يملك سيارة من نوع ليكزيس موديل 2022، لكن المنفعة والفائدة المتحققتان قد يكونان للشخص الأول أكبر بكثير من الثاني، وبالتالي لا وجود لفكرة التضحية والألم أو الثروة والدخل إلا إذا كانت الدولة سوف تقوم بتبذير الحصيلة الضريبية وهدرها.

مبدأ تخصيص الضرائب وعموميتها

يُقصد بتخصيص الضرائب أن تفرض الضرائب على كل نوع من أنواع السلع أو الأنشطة بمقدار فائدتها والرغبة والمقدرة على اقتنائها، أما العمومية، فهي سريان الضريبة على جميع الأموال والأشخاص في الدولة دون أي استثناء لمال أو شخص.

اقرأ أيضاً: ريادة الأعمال: المفهوم، والأهمية، ولماذا يصبح الناس رواد أعمال؟
إذاً لابد لتحقيق العدالة الضريبية في أي نظام ضريبي من الفصل بين الضرائب التي يغلب على إصدارها الطابع السياسي، وبين الضرائب الاعتيادية اللازمة لتنمية الموازنة وتغطية نفقاتها، ثم تحديد المنفعة والمنتفع، ومعرفة قدرته وإمكانياته على الاستفادة من هذه المنفعة، وتحميله عبء الضريبة في حدودهما بشكل يتزايد مع تزايد الانتفاع، ويُراعي هذا التزايد أن خسارة معركة بسبب فقدان طلقة، يجعل من هذه الطلقة – التي لايتعدى ثمنها حفنة من النقود- سبباً في نقطة تحول هائلة في حياة الشعوب والمجتمعات

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021