اقتصاديو العرب

اقتصاد المعرفة

اقتصاد المعرفة

أضحى اقتصاد المعرفة يمثل رافداً معرفياً جديداً سواء على صعيد النظرية الاقتصادية والأطر الفكرية والمنهجية، أم على مستوى التطبيقات العملية، كما يعدّ أداة محورية في قياس مدى قدرة الدول على حيازة أسباب التقدم وامتلاك ناصية مقوماته اللازمة لنجاح خططها وبرامجها للتنمية الاقتصادية الشاملة.

فبينما كانت الأرض، والعمالة، ورأس المال هي العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج في الاقتصاد، فإن الأصول المهمة في الاقتصاد المعرفي  (المعرفة الفنية، والتقانة، والإبداع، والذكاء، والمعلومات) أضحت ذات أهمية تفوق تلك العوامل.

كما ربط المؤرخون تطور المجتمع البشري بثلاث مراحل أساسية، فمن ثورة الزراعة نحو ثورة الصناعة، ومن ثم إلى الثورة المعرفية، أو ما يعرف بالتحول الثالث. وقد شهد مفهوم اقتصاد المعرفة تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية مع اتساع استخدام شبكة الإنترنت والتجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني، ويقوم هذا الاقتصاد على بيانات يتم تطويرها إلى معلومات، ومن ثم إلى معرفة.

اقرأ أيضاً: استشراف المستقبل

اقرأ أيضاًتطور التكنولوجيا والاقتصاد

مفهوم اقتصاد المعرفة

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عرفت اقتصاد المعرفة بأنه الاقتصاد الذي تعد فيه المعرفة المحدد الرئيسي للإنتاجية والنمو الاقتصادي من خلال التركيز على دور جديد للمعلومات والتقنية والتعلم في تحقيق أداء اقتصادي متميز.

أي إنه يعتمد في المقام الأول على الإنتاج والخدمات التي تستخدم المعارف بشكل كثيف وتسهم في تسارع وتيرة التقدم العلمي والتقني؛ لذا يعتمد اقتصاد المعرفة بنسبة كبيرة على قدرات رأس المال الفكري بدلاً من المدخلات المادية أو الموارد الطبيعية، ويسهم اقتصاد المعرفة بشكل كبير في جميع الأنشطة الاقتصادية في البلدان المتقدمة، وقد يمثل جزءًا ها ما من قيمة أصول الشركة غير الملموسة والمتمثلة في قيمة معرفة العاملين بها (رأس المال الفكري)، بالرغم من مبادئ المحاسبة لا تسمح للشركات أن تشمل هذه الأصول في الميزانية العمومية.

وتعد منظومة الاقتصاد المعرفي هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في العصر الحالي، والتي يتم من خلالها توظيف المعرفة والتكنولوجيا في تقديم منتجات أو خدمات متميزة ومبتكرة، يمكن تسويقها وتحقيق الانتعاش الاقتصادي من خلالها؛ لذا فإن الاقتصاد المعرفي يقوم بتحويل المعرفة إلى ثروة تفوق قيمتها في معظم الأحيان قيمة الثروات الطبيعية.

ولتوضيح مفهوم الاقتصاد المعرفي نورد مثالًا لشركة (أبل)، والتي تعد أكبر شركة من حيث القيمة السوقية في التاريخ الصناعي الحديث، حيث تجاوزت قيمة أسهمها 623 مليار دولار خلال أغسطس 2012 في سوق المال الأميركية (وول ستريت)، متخطية بذلك كبرى شركات العالم في مجالات النفط والغاز والسيارات والعقارات، فالثروة المعرفية -من اختراعات وابتكارات- أثبتت وبكل جدارة أنها أغلى من الثروات الطبيعية وغيرها؛ لذلك نجد أن أجهزة الهواتف الذكية -على سبيل المثال- تباع بمبالغ عالية، في حين أن قيمة المواد الخام المصنوعة منها هذه الهواتف -مثل الزجاج والبلاستيك- تقدر بمبالغ زهيدة، ومن َ ثمَّ فإن القيمة الحقيقية تكمن في المعرفة والتقنية التي تشغل الجهاز وليس في المواد الخام.

خصائص اقتصاد المعرفة

يتسم الاقتصاد القائم على المعرفة بعدد من الخصائص والسمات، يمكن توضيحها كالتالي:

الدور المتنامي للابتكار والبحث العلمي: حيث يتعين على مؤسسات الأعمال في إطار الاقتصاد المعرفي العمل وفقا لنظام فعال من الروابط التجارية مع المؤسسات الأكاديمية والعلمية المحلية والدولية وغيرها من المنظمات التي تستطيع مواكبة ثورة المعرفة المتنامية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية.

التعليم المستمر أساس زيادة الإنتاجية والتنافسية الاقتصادية: لذا يتعين على الحكومات أن توفر المناخ الملائم لتحفيز المهارات البشرية وصقل مهارات الأفراد الإبداعية بما يتواكب مع احتياجات سوق العمل، كذلك يتعين على الحكومات في هذا السياق دمج تقنية المعلومات والاتصالات في المناهج التعليمية لخلق جيل قادر على امتلاك أدوات إدارة اقتصاد المعرفة.

قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المحفز الأساسي للنمو: تعتبر البنية التحتية المبنية على تقنية المعلومات والاتصالات أساس اقتصاد المعرفة حيث توفر التقنيات التي ينتجها ذلك القطاع عمليات نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، كذلك يؤدي نمو عمليات هذا القطاع إلى توسيع حجم ونطاق الأسواق التي تتعامل معها المؤسسات والشركات المحلية، ويزيد من كفاءة عملياتها بشكل عام.

أهمية وجود بيئة اقتصادية مواتية لتفعيل آليات اقتصاد المعرفة: يستلزم هذا الاقتصاد  وجود بيئة اقتصادية مواتية من شأنها حفز المشروعات وتشجيع الارتباط ما بين المؤسسات العلمية والبحثية ومؤسسات الأعمال، كذلك لابد من أن توفر تلك البيئة المواتية كل الأطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو، وذلك بما يشمل سياسات إتاحة تقنية المعلومات والاتصالات لكافة المواطنين، وإلغاء أو خفض التعريفات الجمركية على المنتجات التقنية، وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

المعرفة سلعة عامة: المعرفة في هذا الاقتصاد تقترب من كونها سلعة عامة فعندما تظهر المعرفة وتنتشر يصبح من السهل على كافة أفراد المجتمع الاستفادة منها وتصبح التكلفة الحدية لتوفيرها لأفراد إضافيين تساوي الصفر، والمعرفة في هذا الاقتصاد تشكل المادة الخام الأساسية غير القابلة للنضوب على المدى الطويل، حيث إن طبيعة المعرفة تزداد مع الاستخدام ولا تنضب، وفي هذا السياق توفر فقط عمليات حماية الأسرار التجارية وحقوق النشر والعلامات التجارية وبراءات الاختراع بعض الحماية لمبتكري المعرفة لوقت زمني محدد.

رأس المال المعرفي هو العنصر الأساسي المحدد للتنافسية: تعتمد قدرة أي دولة على الاستفادة من اقتصاد المعرفة وتوليد الدخل على مدى سرعتها في التعلم واكتساب مهارات معرفية جديدة والتواصل مع المجتمع المعرفي العالمي. فرأس المال المعرفي هو العنصر المحدد للقدرة التنافسية للمشروعات، فما تمتلكه المشروعات من رأس مال معرفي ومهارات بشرية والتوليفات المختلفة لطرق الإنتاج والإدارة التي تتبعها المنشأة تمثل رأس المال المعرفي، وتزداد قوة المشروعات التنافسية مع تزايد مستويات التقنية والتطور المعرفي والقدرة على الابتكار المستخدمة في خلق السلع والخدمات بما يزيد العائد على الاستثمار ويضاعف إمكانات النمو للحفاظ على الوضع التنافسي، كما لابد وأن تتسارع قدرة المشروعات على الابتكار بما يفوق قدرة المنافسين على الابتكار.

سيادة أسواق المنافسة الكاملة: يتسم اقتصاد المعرفة بكونه أقرب لسيادة أسواق المنافسة الكاملة حيث يجد المستهلكون في هذا الاقتصاد العديد من المنتجين للسلعة الواحدة، يمتلك كل منهم نصيب سوقي محدود مقارنة بباقي البائعين ويعرضون تلك السلع بأسعار منافسة، كما تتوافر في هذا الاقتصاد المعلومات الكاملة عن السلعة من كافة أنحاء العالم ويتم توصيلها للمستهلكين في أي مكان في العالم عبر شبكات الاتصال.

أهمية امتلاك العمالة لمهارات التكيف والتعلم السريع: تتسم العمالة الماهرة في هذا الاقتصاد بقدرتها على التقاط المعلومات وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام، وقدرتها على التكيف والتعلم بسرعة وامتلاك المهارات اللازمة لذلك، إضافة إلى إتقان التعامل مع تقنية المعلومات وتطبيقاتها في مجال العمل، والقدرة على التعاون والعمل ضمن فريق وإتقان مهارات الاتصال، كما لا يغني ذلك عن امتلاك مهارات إضافية مميزة، من بينها إتقان أكثر من لغة بما يساعد على التعامل في بيئة عالمية، وإتقان العمل خارج حدود الزمان والمكان، والقدرة على إدارة العمل سوا ء كان ذلك في بيئات عمل تقليدية أو افتراضية.

ارتباط أسرع المهن نمواً بتقنيات قطاع المعلومات والاتصالات: تتمثل أسرع المهن نمواً في إطار اقتصاد المعرفة في المهن المرتبطة بشكل معقد بتقنيات المعلومات والاتصالات بشكل مباشر، لذا تلعب فئات المديرين وعمال المعرفة الدور الأساسي في هذاالاقتصاد مقابل العمالة التقليدية المرتبطة بشكل وثيق بنظم الإنتاج الممكنة في الاقتصاد التقليدي.

نقص الكوادر والمهارات: هناك العديد من الوظائف التي لا تجد من يشغلها، وخاصة الوظائف التي تتطلب مهارات في تقنية المعلومات، وسيعاني قطاع الأعمال ليجد المهارات المعرفية المطلوبة، وهو ما يتطلب انفتاح سوق العمل بما ي مكن من سد فجوة المهارات لا سيما مع انتشار الشبكات الإلكترونية التي أصبحت تيسر فرص العمل عن بعد، وكذلك إمكانية تنفيذ الأعمال في دول أخرى من خلال عمليات التعهيد (Outsourcing).

الدور الاقتصادي المتنامي لشركات إنتاج التقنية والمعرفة: باتت شركات إنتاج التقنية والمعرفة تلعب دورا اقتصادياً متنامياً ربما بات يفوق المقومات الاقتصادية لدول بأكملها، فعلى سبيل المثال، تفوق القيمة السوقية لأكبر خمس شركات تعمل في نطاق اقتصاد المعرفة الناتج المحلي الإجمالي لدول بكامل قطاعاتها، وهو ما يؤكد أن المعرفة أصبحت أساس النشاط الاقتصادي بدلاً من الموارد المادية والطبيعية.

اقرأ أيضاً: النظام الاقتصادي الاسلامي- نظرة عامة

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

قطاعات اقتصاد المعرفة

تنقسم قطاعات اقتصاد المعرفة إلى قطاعات المعلومات الأولية، وقطاعات المعلومات الثانوية، حيث تشمل قطاعات المعلومات الأولية القطاعات التي تعمل في المجالات المعنية بخلق وإدارة المعلومات مثل العلماء والمؤلفون، في حين تشمل قطاعات المعلومات الثانوية القطاعات التي تستخدم المعلومات بشكل غير مباشر مثل القطاعات التي تنتج المعلومات لأغراض الاستخدام الداخلي في الزراعة والصناعة وإنتاج غيرها من السلع غير المعلوماتية الأخرى.

وبالتالي تضم قطاعات المعلومات الأولية كل من:

  • قطاعات إنتاج المعرفة والابتكار (أنشطة البحث والتطوير والخدمات المعلوماتية، إلخ).
  • قطاعات توزيع المعلومات والاتصالات من بينها (التعليم، خدمات المعلومات الحكومية، خدمات الاتصالات).
  • قطاعات إدارة المخاطر من بينها (البنوك، وشركات التأمين).
  • قطاعات تشغيل المعلومات والخدمات المعلوماتية مثل (الكمبيوتر، البنية الأساسية للاتصالات).
  • السلع المعلوماتية من بينها (الآلات الحاسبة، أشباه الموصلات، إلخ).
  • الخدمات المساعدة (الخدمات المكتبية، التجهيزات، إلخ).
  • تجارة الجملة في السلع والخدمات المعلوماتية.

في حين تضم قطاعات اقتصاد المعرفة وفقاً للتصنيف الصناعي العالمي الموحد (ISIC) كل من:

  • قطاعات منتجة لسلع قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
  • قطاعات منتجة لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات.
  • قطاعات مستخدمة لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات.

اقرأ أيضاً: التأمين والمبادئ الأساسية التي يستند عليها

مؤشرات المعرفة

يعد تعريف البنك الدولي لمؤشر اقتصاد المعرفة الأكثر شيوعًا، حيث يشمل أربعة مؤشرات فرعية متكاملة ومتفاعلة في ما بينها هي:

  • النظام الاقتصادي والمؤسسي.
  • التعليم.
  • البنية التحتية للمعلومات والاتصالات.
  • نظام الإبداع والابتكار.

اقرأ أيضاً: ريادة الأعمال، المفهوم، والأهمية، ولماذا يصبح الناس رواد أعمال؟

حجم قطاعات اقتصاد المعرفة

شهد حجم قطاعات الاقتصاد الجديد تناميا واضحا في الآونة الأخيرة وعلى الرغم من وجود بعض الصعوبات التي تعتري عملية تقدير حجم تلك القطاعات، إلا أن معظم الدراسات قد قدرت ذلك الحجم  باستخدام نسبة مساهمة قطاعات الاقتصاد الجديد في الناتج المحلي الإجمالي. وفي دراسة اعدها صندوق النقد العربي أشار الى أن الأمم المتحدة قدرت أن اقتصاد المعرفة يساهم بما لا يقل عن 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتنمو بمعدل لا يقل عن 10 في المائة سنوياً، كما أن 50 في المائة من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تقنية المعلومات والاتصالات (القطاع الرئيس المحرك للاقتصاد المعرفي).

في حين نجحت بعض الاقتصادات النامية في ترسيخ مواقعها كاقتصادات تقوم على المعرفة، لا يزال عدد من الدول العربية بعيد عن الانضمام إلى مقدمة الركب. إذ يعد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الركيزة الأساسية للاقتصاد المعرفي في الدول العربية وتتباين مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من دولة عربية إلى أخرى.

ويعزى التقدم المحدود المحقق من قبل عدد من الدول العربية على صعيد بناء واستدامة اقتصاد المعرفة إلى التحديات المرتبطة بالمنظومة الاقتصادية والمؤسسية، ونظم التعليم والتدريب، ومنظومة الابتكار، ومدى توفر البنية التحتية للاقتصاد المعرفي (تكنولوجيا المعلومات والاتصالات).

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021