اقتصاديو العرب

اقتصاد الظل

اقتصاد الظل: ما بين إخفاء الحسابات وإخفاء الجرائم

اقتصاد الظل، أو الاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد الموازي، هو إشارة إلى الاقتصاد الذي تكون فيه المعاملات الاقتصادية التى لا يتم تسجيلها ضمن حسابات الناتج القومي، أو ذلك الجزء من الناتج القومي الإجمالي الذى كان يجب أن يدخل فى حسابات الناتج القومي الإجمالي ولكنه لسبب أو لآخر لم يدخل ضمن هذه الحسابات.

أي انها متعلقة بجانبان: جانب حسابي يتمثل فى أن هناك جزءاً من النشاط الاقتصادي يتم فى إطار قانوني كامل ويتمتع بالصفة القانونية ولكنه لم يسجل ضمن حسابات الدخل القومي لتعمد إخفاؤه بهدف التهرب من الضريبة، أو الحاجة إلى تجنب القيود الروتينية الموضوعة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادي، والجانب الآخر جانب قانوني يتعلق بالأنشطة التى تتم فى هذا الاقتصاد بسبب الطبيعة الخاصة لهذه الأنشطة والتي يكون لها طبيعة جرمية ومخالفة للقانون مثل أنشطة الرشوة والعمولات والسرقة وبيع وتجارة المخدرات وأنشطة المافيا.

في دراسة أعدها صندوق النقد الدولي عام 2018 شملت 158 بلد، وذلك من خلال دراسة بيانات من عام 1991 الى عام 2015، أظهرت نتائج الدراسة أن متوسط الاقتصاد الخفي لهذه الدول يشكل ما نسبته 31.9% من الناتج الفعلي الرسمي كموسط مرجح، كان أقل الدول كحجم الاقتصاد الخفي من الناتج المحلي هو سويسرا وبلغ 7.2%، بينما اكثر الدول كانت بوليفيا وبلغ 62.3%.

اقرأ أيضاً: النظام الاقتصادي الاسلامي- نظرة عامة

اقرأ أيضاً: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط

 

أسباب نمو اقتصاد الظل

ارتفاع مستوى الضرائب

يعتمد قرار المشاركة فى اقتصاد الظل للتهرب من الضرائب على أساس الموازنة بين العقوبات التى قد يتعرض لها الفرد فى حالة اكتشاف التهرب، وكافة المخاطر الأخرى، وبين الدخول الإضافية التى ستعود عليه من التهرب من دفع الضرائب، آخذاً فى الإعتبار مدى استعداده لتحمل المخاطرة، وبناءً على هذه الموازنة يتخذ الفرد قرارة بالتهرب أو عدم التهرب.

النظم والقيود الحكومية

يرى البعض أن اقتصاد الظل سوف يستمر أيضاً فى الظهور بسبب القيود الحكومية الأخرى المفروضة على النشاط الاقتصادي للأفراد، وتُفرض هذه النظم أو القيود إما بهدف تنظيم ممارسة أعمال معينة، أو رفع مستوى الرفاهية الاقتصادية للأفراد، وضمان مستويات مناسبة من المعيشة  أو الرفاهية أو الأمان، أو قد تفرض بسبب أن الأنشطة ذاتها أنشطة إجرامية أو غير قانونية من المنظور الاقتصادي أو الاجتماعي، وإذا كانت هذه القيود مصحوبة بغرامات مرتفعة ونظام فعال للرقابة فقد تحول دون وجود مثل هذه الأنشطة، إلا أنها للأسف فى أغلب الأحوال ستحول هذه الأنشطة إلى الاقتصاد الخفي.

دور المشروعات الصغيرة

فالمشروعات الصغيرة تميل إلى إجراء معاملاتها باستخدام النقود السائلة، ومن المعلوم أن مجالات الأعمال التى تقوم على استخدام النقود السائلة فى إجراء المعاملات تسهل من الأنشطة الخفية، ولهذا السبب نجد أن أي محاولة لتطبيق النظم الضريبية بالقوة يترتب عليها إفلاس عدد كبير من المشروعات الصغيرة، لإن هذه المشروعات تعمل أصلاً فى ظل افتراض عدم وجود ضرائب.

اقرأ أيضاً: ريادة الأعمال: المفهوم والأهمية ولماذا يصبح الناس رواد أعمال؟ 

ندرة السلع

في الدول النامية خصوصاً، جانب كبير من الاقتصاد تتم السيطرة والتحكم فيه من جانب الحكومة، ويعاني من عجز فى عرض بعض السلع، كما أن جانباً كبيراً من هيكل الضريبة ينصب على الضرائب الغير مباشرة وليس الضرائب على الدخل، والتى يفترض أنها العامل الأساسي فى نمو اقتصاد الظل فى الدول المتقدمة، ولذلك نجد أن السبب الرئيسي فى نمو اقتصاد الظل فى هذه الدول هو نقص عرض السلع الاستهلاكية والرأسمالية، وسهولة التلاعب فى السلع التى توفرها الحكومة، والتى يفترض أن يتم توزيعها من خلال المنافذ المختلفة التى تتولى الحكومة الإشراف عليها.

إن النظام الخاص بالأسعار فى هذه الدول عادةً ما يكون غير مناسباً ولا يعكس مستوى الندرة، فالسلع الأساسية تباع بأسعار مدعمة، وتؤدي هذه الأسعار المنخفضة إلى انتشار ظاهرة الطوابير وأحياناً زيادة فائض الطلب على السلع الاستهلاكية، ويؤدى ذلك الأمر إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفي، إما من خلال إعادة بيع هذه السلع بصورة غير قانونية، أو من خلال محاولة إنتاج هذه السلع فى الاقتصاد الخفي للوفاء باحتياجات الطلب عليها.

دور المعلومات

تلعب المعلومات دوراً حيوياً فى أداء اقتصاد الظل، فكل من المشترين والبائعين فى سوق السلع والعمل يحتاجون إلى معلومات عن الأطراف موضع المعاملات التى تتم على أرض الواقع، كذلك قد تكون هناك حاجة إلى المعلومات عن الأسعار والجودة والبدائل المتاحة، وبدون توافر هذه المعلومات فإن السوق لا يمكنه العمل، وعلى ذلك لكي ينمو اقتصاد الظل فلابد من توافر المعلومات بسهولة وبتكلفة قليلة.

اقرأ أيضاًالبيانات الضخمة وواقعها في البلاد العربية

طرق تقدير حجم اقتصاد الظل

من المستحيل تقدير حجم هذا الاقتصاد لأنه أصلاً اقتصاد خفي، ويوجد هناك فى الواقع مجموعتين من الأساليب لتقدير حجم اقتصاد الظل، وتسمى المجموعة الأولى بالأساليب المباشرة، والتى تقوم على أساس تقدير الأنشطة التى تتم فى اقتصاد الظل وتجميع هذه الأنشطة لنحصل على تقدير للمعاملات التى تتم فى هذا الاقتصاد، ونظراً لصعوبة مثل هذه الأساليب المباشرة فقد استخدمت طرق أخرى غير مباشرة، وتقوم هذه الأساليب على محاولة اكتشاف الآثار التى تترتب على وجود مثل هذا الاقتصاد.

مدخل الفروق بين الدخل والإنفاق

يسمى هذا المدخل بأسلوب الفروق المكشوفة بين إنفاق القطاع العائلي ودخله، فالأفراد الذين يقل دخلهم المعلن عن إنفاقهم ربما يخفون جانباً من دخلهم والذى قد يرجع الى دخول مولدة أصلاً في اقتصاد الظل.

مدخل المراجعات الضريبية

يتناول هذا المدخل المعلومات عن اقتصاد الظل على أساس الجهود التى تبذلها الإدارات الضريبية لكشف الدخول التى لا يتم الإفصاح عنها، ويتم ذلك من خلال المراجعة الضريبية المكثفة لعينة من الممولين الذين قدموا إقراراتهم الضريبية للتأكد من مدى صحة هذه الإقرارات.

مدخل سوق العمل

ينعكس تصاعد أهمية اقتصاد الظل فى شكل انخفاض معدلات مشاركة قوة العمل، بالمقارنة بتلك الخاصة بالفترات أو الدول التى تقل فيها أهمية اقتصاد الظل، وبالتالي فان الفرق بين معدلات المشاركة الفعلية وتلك المسجلة بشكل رسمي قد تمكن من تقدير حجم العمالة غير المنظمة وبالتالي حجم اقتصاد الظل.

المدخل النقدي

يعد المدخل النقدى أكثر المداخل التى استخدمت فى تقدير حجم اقتصاد الظل كما أنه أكثرها عرضة للانتقاد فى ذات الوقت، ويقوم هذا المدخل على افتراض أساسي مفاده أن معاملات اقتصاد الظل تتم أساساً باستخدام النقود السائلة ، وذلك فى محاولة من جانب المتعاملين فى هذا الاقتصاد لإخفاء معاملاتهم، والتى يمكن أن يتم اكتشافها إذا تمت هذه المعاملات بوسائل دفع أخرى مثل الشيكات، ومن ثم يفترض أن كبر حجم اقتصاد الظل لابد وأن ينعكس فى شكل ارتفاع مستوى الطلب على النقود السائلة.

اقرأ أيضاً: التأمين والمبادئ الأساسية التي يستند عليها

الآثار السلبية لاقتصاد الظل

 فقدان حصيلة الضرائب

إن أول وأهم الآثار السلبية المترتبة على وجود اقتصاد الظل هى أن جانباً من الدخل الذى يتم توليده داخل الاقتصاد لا يُدفع عنه ضرائب، ويحدث ذلك عندما لا يقوم الأفراد بالكشف عن مداخيلهم الحفيقة.

الأثر على سياسات الإستقرار الاقتصادي

إن النمو السريع لاقتصاد الظل قد يؤدى الى فشل سياسات الاستقرار الاقتصادى، حيث يؤدى هذا الجانب من الاقتصاد الى تشويه المؤشرات الخاصة بسياسة الاستقرار الاقتصادي، ومن ثم فإن هناك احتمال أن يقع صانع السياسة فى خطر وصف طرق علاج غير صحيحة بسبب تشخيص غير سليم للمشكلة، فنمو الاقتصاد الخفي ينتج عنه نوع من المغالاة فى المؤشرات الرسمية للتضخم والبطالة ومعدلات نمو الناتج، وبالتالى فان سياسة الاستقرار قد تستجيب لمشكلات غير واقعية.

تشوه المعلومات

عندما يكون حجم اقتصاد الظل كبيراً فان درجة اعتمادية البيانات الرسمية ستنخفض وتكون المؤشرات الاقتصادية غير مناسبة لعملية صنع السياسة الاقتصادية، وعندما تكون الإحصائيات الاقتصادية متحيزة، ويكون مستخدمي هذه الإحصائيات على غير علم بهذا التحيز، فان الاقتصاديين يقومون بإجراء توقعات خاطئة وتقديم تحليل غير صحيح لصانعى السياسة، والذين بدورهم يأخذون سياسات خاطئة للتعامل مع المشاكل المختلفة.

معدلات البطالة

يُعتبر معدل البطالة من الأمور الحيوية من الناحية السياسية، ومن هنا فقد تبدو أهمية اقتصاد الظل فى قدرته على توفير فرص للعمل لهؤلاء الذين لم يفلحوا فى الحصول على فرصة عمل فى الاقتصاد الرسمى، وبما أن هذه العمالة عادةً ما تكون غير مسجلة فان الأرقام الرسمية عن معدلات البطالة فى الاقتصاد تصبح مغالى فيها.

معدلات النمو الاقتصادي 

عندما يتواجد اقتصاد الظل فان معدلات النمو الحقيقى فى الاقتصاد سوف تختلف عن معدل النمو المسجل، فإذا كان كل من الاقتصاد الرسمى والخفى ينموان بصورة متوازية فان التحيز فى المؤشرات عن النمو الفعلي تكون صفراً، أما إذا تعدى معدل نمو الاقتصاد الخفي معدل النمو الخاص بالاقتصاد الرسمي، فان معدل النمو الاقتصادي العام فى الاقتصاد ككل يصبح أقل من الواقع والعكس بالعكس، ومن ثم يظهر تشوه المؤشرات الاقتصادية فى صورة تقديرات أقل من الواقع، أو تقديرات مغالى فيها عن معدل النمو الاقتصادي، وعلى ذلك فإن قياسات الناتج القومي التى لا تأخذ الاقتصاد الخفي فى الحسبان تصبح غير مناسبة.

معدلات التضخم

يعنى وجود اقتصاد الظل أن معدل التضخم سيكون مغالى فيه، حيث ستميل الأسعار في اقتصاد الظل الى التزايد بمعدلات أقل عن تلك السائدة فى الاقتصاد الرسمى، بصفة خاصة عندما يكون اقتصاد الظل منافساً للاقتصاد الرسمي فى تقديم نفس السلع والخدمات، فأحد جوانب الاستجابة للزيادة فى الأسعار هو زيادة حجم النشاط فى اقتصاد الظل، إذ أنه من المتوقع أن تكون أسعار السلع فى اقتصاد الظل أقل من الأسعار فى الاقتصاد الشرعى بأعباءه الضريبية والإجرائية.

السياسة النقدية

إن وجود اقتصاد الظل سوف يعني أن الطلب على النقود لأغراض اجراء المعاملات فى اقتصاد الظل لابد وأن يضاف الى الدوافع الأساسية للاحتفاظ بالنقود، إلا أن مثل هذا الطلب على النقود ليس حساساً للتغيرات فى معدلات الفائدة، لأن الحاجة الى تجنب دفع الضريبة والرغبة فى عدم الكشف عن ممارسة أنشطة خفية قوية للغاية، وعلى ذلك تقل مرونة الطلب على النقود بالنسبة لمعدل الفائدة فى الاقتصاد ككل، ويعتمد ذلك على حجم اقتصاد الظل.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن السندات السيادية

الأثر على توزيع الموارد

يؤثر وجود اقتصاد الظل على أداء الاقتصاد بطرق عدة، ومن المحتمل أن يكون له آثار سلبية على الكفاءة الاقتصادية، على سبيل المثال: إذا حدث نمو فى الاقتصاد ككل، بما فى ذلك اقتصاد الظل، فان الحاجة الى المزيد من الخدمات العامة سوف تكون أكثر إلحاحاً، وبما أن الضرائب تجمع فى هذه الحالة من الاقتصاد الرسمي فقط، فإن مستوى الضرائب على الأنشطة التى تتم فى الاقتصاد الرسمي سيزداد، وتؤدي هذه الزيادة فى الضرائب الى دفع المزيد من الأنشطة الى التحول نحو اقتصاد الظل، حيث تزداد العوائد من التهرب الضريبي، وفى ظل هذا الوضع تصبح المنافسة غير عادلة بين اقتصاد الظل والاقتصاد الرسمي بالشكل الذى يمكن اقتصاد الظل من اجتذاب قدر أكبر من الموارد، وسوف يستمر هذا التدفق من الموارد المحولة من الاقتصاد الرسمى نحو اقتصاد الظل طالما أن معدلات العائد الصافي ( بدون الضريبة ) أعلى فى اقتصاد الظل عن الاقتصاد الرسمي.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الدونات: اعادة التفكير بالاقتصاد من جديد

الآثار الإيجابية لاقتصاد الظل

بعض الفوائد المرتبطة بوجود اقتصاد الظل على المستوى القومي، ذلك أن قدرة هذا الاقتصاد على تجنب آثار الإجراءات التنظيمية مثل قوانين الحد الأدنى للأجور والضرائب تجعل هذا الاقتصاد أكثر ديناميكية، ومن ثم أكثر قدرة على الاستجابة بسرعة للتغيرات التى تحدث فى ظروف السوق بالمقارنة بالاقتصاد الرسمي، كذلك فان هذا الاقتصاد سيكون قادراً على تقديم السلعة أو الخدمة بأسعار أقل، وبالتالي يحقق آثاراً توزيعية موجبة من خلال مساعدة محدودى الدخل، ويعني ذلك أن اقتصاد الظل قد يؤدى الى تخفيض الفروق فى توزيع الدخل، كما أن هناك إمكانية أن يساعد نمو اقتصاد الظل على إيضاح التغيرات المطلوبة لكى يصبح الاقتصاد ككل فى وضع تنافسي، فقد يكون اقتصاد الظل أكثر استجابة للظروف والتغيرات على مستوى الاقتصاد بالشكل الذى قد يساعد صانع السياسة الاقتصادية على تبنى عملية التعديل الهيكلي المطلوبة لكى يظل الاقتصاد فى وضع أفضل.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد التشاركي: من عالم الامتلاك الى عالم التشارك

 كيف يمكن التغلب على ظاهرة اقتصاد الظل

  •   إعادة إصلاح النظام الضريبي.
  • مراجعة أساس حساب الضريبة ومعدل الضريبة و التصاعد الضريبي.
  • مراجعة أشكال الكشف عن مصادر الدخل وأساليب التحصيل.
  • تقليل المستندات والأوراق المطلوبة للمراجعة الضريبية وتبسيط الإجراءات خصوصاً بالنسبة للمشروعات الصغيرة ذات الإمكانيات المحاسبية المحدودة.
  • مراجعة مدى حدة العقوبات على التهرب الضريبي.
  • مراجعة مدى ملائمة النظام الضريبي ككل.

اقرأ أيضاً: تحدي الاستثمار الاجنبي المباشر في ظل المستجدات التشريعية المعاصرة

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2021