اقتصاديو العرب

الاقتصاد الريعي والدولة الريعية

الاقتصاد الريعي والدولة الريعية…..أيهما يولد الآخر

في الربع الأخير من القرن العشرين، ظهر مفهومي الدولة الريعية والاقتصاد الريعي، وهذان المفهومان من مفاهيم علم الاقتصاد السياسي، وعلى أثرهما برزت جدلية أيهما يولد الآخر، وتشبع هذان المفهومان بمبادئ اقتصادية أكثر منها سياسية، ونحن في هذا المقال سنسلط الضوء على تلك المفاهيم في محاولة لتوضيحها بشكل مبسط.

مفهوم الاقتصاد الريعي

الاقتصاد الريعي هو مصطلح اقتصادي يعبر عن إعتماد الدولة لمصدر دخل وحيد تسيطر عليه سلطة الدولة وتحتكر سلطة التصرف فيه من قبل الأفراد بأي شكل من أشكال التصرف كان.

كما أن هذا المفهوم یعني اعتماد بلد ما على استخراج مصدر طبیعي من باطن الأرض كالنفط مثلاً، و لهذا فان اقتصاد هذا البلد یكون في الغالب رخواً، إذ یعتمد على المبادلات التجاریة و ینتج مجتمعا ً استهلاكیاً یسیطر فیه قطاع الاستیراد أي هو اقتصاد لا یولي اهتماماً للصناعات التحویلیة و الزراعیة أهمیة.

وهو الاقتصاد الذي یشكل فیه الریع الخارجي بنسبة كبیرة من الدخل و یكون لأكثریة السكان دور في تولید الریع و استغلاله له. كما هو الحال في جزیرة سیاحیة تعتمد إیراداتها على السیاحة لظروفها الجغرافیة و المناخیة.

أنواع الريع

  1. الریع الطبیعي: و یتمثل في الموارد الطبیعیة كالثروات المعدنیة و الغابات و النفط.
  2. الریع الاستراتیجي: ویتحقق ذلك نتیجة لمیزة ترتبط بموقع الدولة من حیث موانئها أو تحكمها في طرق التجارة أو لمیزة جیوسیاسیة كالإشراف على الممرات المائیة، أو قد تكون كمنتج سیاحي.
  3. الریع التحویلي: و یتمثل على ما تتلقاه الدول من مكونات و منح و هبات و تحویلات العاملین، فضلا عن أشكال الدعم الأخرى.

أنواع الاقتصاد الريعي

هناك نوعين من الاقتصاد الريعي هما:-

  1. الريع الخارجي: يشمل ريع النفط والغاز إذ أن هناك فارقاً كبيراً بين تكلفة استخراجها و سعر بيعها و ريع المعادن الذي يشكل نتيجة تفوق سعر المعادن على تكلفة إنتاجها وريع الممرات و خطوط النقل الاستراتيجية وريع السياحة وريع تحويلات المغتربين والعاملين في الخارج وريع المساعدات الخارجية.
  2. الريع الداخلي: هو الريع الذي يأتي من مصادر داخلية وهي ريع السيادة و الخدمات التابعة لأنشطة الدولة و ينجم هذا النوع من الريع من خلال سوء استخدام المال العام و ريع المضاربات المالية إذ يتم السعي للربح دون مجهود فهو ريع الخدمات التي كان دوره في البداية خدمة قطاعي الصناعة والزراعة.

مفهوم الدولة الريعية وسماتها

الدولة الریعیة تعّرف بأنها الدولة التي تحصل على جزء كبیر من دخلها من مصادر خارجیة سواءً أكان ذلك من موارد طبیعیة أو زراعیة أو استخراجیة على شكل ریع تتحكم الدولة في السیطرة علیه و في توزیعه.

وفي الدولة الريعية يكون الدخل الريعي هو الدخل السائد في الاقتصاد، ويتأتى هذا الريع من الخارج بحيث لا يحتاج الاقتصاد المحلي الى قطاع انتاجي قوي، وتكون الدولة (الحكومة) هي المتلقي الوحيد للريع الخارجي.

كذلك يكون هناك ارتفاع للأهمیة النسبیة للصادرات الریعیة (النفط مثلاً) من إجمالي الصادرات و تصل أحیانا إلى أكثر من 80%، ويذهب القسم الأكبر من النفقات العامة نحو الجانب التشغيلي في حين تقل النفقات الإستثمارية وتذهب أكبر نسبة منها بإتجاه القطاع الصناعي الإستخراجي لا التحويلي. أي أن الدولة الريعية تكون سياستها سياسة انفاقية مع القليل من الاهتمام بتنويع اقتصادتها أو تشكيل برنامج تنموي متماسك.

العلاقة بين الاقتصاد الريعي والدولة الريعية

تعد العلاقة بين الاقتصاد الريعي والدولة الريعية علاقة جدلية أخذت الكثير من جهد ووقت الكتاب والمختصين، إذ يشير الاقتصاد الريعي خاصة إلى تلك الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل الغاز والنفط والبترول والتي تعتمد عليها بشكل أساسي في تنمية اقتصادها. و أدت السياسات الريعية إلى تدمير قطاعات الاقتصاد الوطني و إلى تبعية البلدان الريعية الى البلدان الرأسمالية المصدرة للسلع والخدمات، و بذلك أصبحت البلدان الريعية في تبعية إلى الخارج تتأثر بشكل مباشر بالازمات الاقتصادية والمالية التي تصيب البلدان الرأسمالية ما يعرضها إلى خسائر مالية جسمية.

كذلك الدول التي تعتمد مثلاً على الموارد الإستراتيجية لكن ورغم هذه الخيرات لازالت هذه الدول تسجل العجز سنويا في شتى المجالات ويلاحظ ذلك خصوصاً من خلال المستوى المعيشي لسكانها وإنتشار الفقر بنسبة كبيرة وكذا البطالة بسبب عدم فاعلية باقي القطاعات وإنتشار الآفات الإجتماعية في أوساط الشباب نظرا لتهميش هذه الفئة بدلا من توظيفها كقوى بشرية للنهوض الاقتصاد.

ولازال وهم اقتصاد الريع يسيطر وبشدة خصوصاً على العالم العربي ويتضح ذلك جلياً من خلال تمسك الحكومات بهذا الاقتصاد وذلك من أجل فرض سيطرتها الكاملة على خيرات البلاد من نفط وغاز وغيره وبيعها وإستخدام ذلك لمصالح خاصة بحتة، مع إيهام الشعوب بشبح عدم الإستقرار المالي في حال الإبتعاد عن الاقتصاد الريعي لذا فإن حقيقة ما يجري هو صراع سياسي للتمسك بالسلطة والثروة بعيدا عن الواقع المعاش في البلاد.

لهذا تسعى الحكومات التي تعتمد هذا الاقتصاد دائما إلى محاولة تثبيته من خلال اللعب على عدة أوتار حساسة في الاقتصاد حيث تمنع بذلك أي محاولة في زعزعة أسسه ويتضح ذلك من خلال عرقلتها للمنافسة بين الشركات أو بالأحرى الحد منها وترك الأسواق لشركات كبرى مسيطرة عيه.

وإذا كان اقتصاد الريع ثابت الأساسات ولا يمكن تغييره بأي طريقة كانت فإن اللوم لا يرجع إلا على الشعوب التي ترضى بمثل هذا وتحبذ بقائه، ربما ليس لرغبة حقيقية منها في الإستمرار تحت اقتصاد الريع وإنما هو الثمن الباهض الذي يخيل إليها أنها ستدفعه لا محال في حال التخلي عن هذا النظام الاقتصادي، ولكن الحقيقة هي ليست إلا أن الإستقرار الذي يخاف الشعوب من زعزعته مفهوم فارغ بمعنى أنه في ضل هذا النظام ينعدم الإستقرار بتاتاً لكن الأمر المؤسف هو أنه لا يمكن السيطرة على فكر هذه الشعوب المضطهدة اقتصاديا والمشبعة بالمفاهيم الغير مظبوطة حيث يتبين الخلط جلياً بين الإستقرار ومفهوم الركود الذي يقاس بعوامل العدالة الإجتماعية ومؤشرات الفقر لتبين طريق الإستقرار .

وفي الأخير نخلص إلى أن الاقتصاد الريعي ليس نظاما يعتمد عليه في التنمية المستدامة بل هو مجرد أداة للتحكم في السلطة والشعوب ،لذا يجب التخلص منه كنظام اقتصادي وتعويضه بأنظمة أخرى أكثر نجاعة منه وأكثر تحقيقا لنتائج إيجابية تتمثل في اقتصاد نامي ومزدهر وشعوب راضية ومستقرة ماليا .

جميع الحقوق محفوظة لموقع اقتصاديو العرب © 2022

فكرتين عن“الاقتصاد الريعي والدولة الريعية…..أيهما يولد الآخر”

  1. Pingback: الاقتصاد الأردني وأبرزالتحديات والمحطات الاقتصادية الحرجة التي مرّ بها

  2. Pingback: تاريخ موجز للاقتصاد المخطط - اقتصاديو العرب

التعليقات مغلقة.